وقد تقدَّم الكلامُ عَلَيْهِ في ع ر ض وفي ع و ض . قالَ الأّزْهَرِيّ : وإِنَّما سُمِّيَ السَّوْقُ قَبْضاً لأنَّ السائقَ للإِبْلِ يَقْبِضُها أَي يَجْمعُها إِذا أَرادَ سَوْقَها فإذا انْتَشَرَتْ عَلَيْهِ تعذَّرَ سَوْقُها . قالَ : وقَبَضَ الإبلَ يَقْبِضُها قَبْضاً : ساقَها سَوْقاً عَنيفاً . والعَيْرُ يَقْبِضُ عانَتَهُ : يَشُلَّها وعَيْرٌ قَبَّاضَةٌ : شَلاَّلٌ وكذلك : حادٍ قَبَّاضَةٌ وقبَّاضٌ . قالَ رُؤْبَةُ : .
" أَلَّفَ شَتَّى لَيْسَ بالرَّاعي الحَمِقْ .
" قَبَّاضَةٌ بَيْنَ العَنيفِ واللَّبِقْ قالَ ابنُ سِيده : دَخَلَتِ الهاءُ في قَبَّاضَةٍ للمُبالغة وقد انْقَبَضَ بها . والقَبْضُ : النَّزْوُ . وقال عَبْدَةُ بنُ الطَّبيبِ العَبْشَمِيُّ يصف ناقَتَهُ : .
تَخْذِي به قُدُماً طَوْراً وتَرْجِعُهُ ... فَحَدُّه من وِلافِ القَبْضِ مَفْلُولُ ويُروى بالصَّاد المُهملة وقد نقدَّم . وقال الأَصْمَعِيُّ : يُقَالُ : مَا أَدري أَيُّ القَبيضِ هو كقولك : مَا أَدري أَيُّ الطَّمْشِ هو . وربَّما تكلَّموا به بغيرِ حرفِ النَّفْيِ . قالَ الراعي : .
أَمْسَتْ أُمَيَّةُ للإسْلامِ حائِطَةً ... وللقَبيضِ رُعَاةً أَمْرُها الرَّشَدُ وذكر اللَّيْثُ هنا القَبيضَة كسَفينة من النِّساءِ : القصيرة . قالَ الأّزْهَرِيّ : هو تَصْحِيف . صوابُهُ القُنْبُضَةُ بالنُّون وسيأْتي للمُصنِّف . وذكرهُ الجَوْهَرِيّ هنا عَلَى أنَّ النُّونَ زائِدةٌ . والقَبيضَةُ كسَفينةٍ : القَبْضَةُ وبه قُرئ في الشَّاذّ : " فقَبَضْتُ قَبيضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ " نقله المُصَنِّفِ في البَصائِر . واقْتَبَضَ مِنْ أَثَرِهِ قَبْضَةً كقَبَضَ والصَّادُ لغةٌ فيه . وأَنْشَدَ في البَصائرِ لأَبي الجَهْمِ الجَعْفَرِيّ : .
" قَالَتْ لهُ واقْتَبَضَتْ مِنْ أَثَرِهْ .
" يا رَبُّ صاحِبْ شَيْخَنَا في سَفَرِهْ قيلَ لهُ كَيْفَ اقْتَبَضَتْ من أَثره ؟ قالَ : أَخَذتْ قَبْضَةً من أَثَرِه في الأَرْضِ فقبَّلتها . ويُستعارُ القَبْضُ للتَّصرُّفِ في الشَّيْءِ وإنْ لم يكنْ فيه ملاحَظة اليَدِ والكَفِّ نحوُ : قَبَضْتُ الدَّارَ والأَرْضَ أَي حُزْتُها . تَذْنيب : القَبْضُ عند المُحقِّقين من الصُّوفِيَّة نوعان : قَبْضٌ في الأَحوالِ وقَبْضٌ في الحَقائق . فالقَبْضُ في الأَحوالِ أَمرٌ يطرُقُ القلبَ ويمنعَهُ عن الانْبِساطِ والفَرَحِ وهو نوعان أَيْضاً : أَحدهُما مَا يُعرفُ سببه كتَذَكُّرِ ذَنْبٍ أَو تَفْريطٍ . والثَّاني : مَا لا يُعرفُ سببه بل يَهجم عَلَى القلبِ هُجوماً لا يُقدرُ عَلَى التَّخلُّص منه وهذا هو القَبْضُ المُشار إِلَيْه بأَلْسِنَةِ القوم وضدُّه البَسْطُ . فالقَبْضُ والبَسْطُ حالَتانِ للقَلْبِ لا يَكادُ يَنْفَكُّ عنهُما . ومنهمْ مَنْ جَعَلَ القَبْضَ أَقْساماً غيرَ مَا ذكَرْنا : قَبْضَ تأْديبٍ وقَبْضَ تَهْذيبٍ وقَبْضَ جمعٍ . وقَبْضُ تَفْريقٍ : فقَبْضُ التَّأْديب يكونُ عُقوبةً عَلَى غَفْلَةٍ وقَبْضُ التَّهذيبِ يكونُ إِعْداداً لبَسْطٍ عَظيمٍ يأتي بعدَهُ . فيكونُ القَبْضُ قبله كالمُقدِّمة لهُ . وقد جَرَتْ سُنَّةُ الله تَعالى في الأُمورِ النَّافعَةِ المَحْبوبَةِ يُدخَلُ إليها مِنْ أَبوابِ أَضْدادِها . وأَمَّا قَبْضُ الجَمْع فهو مَا يحصُل للقلبِ حالَةَ جَمْعِيَّتِهِ عَلَى اللهِ من انْقِباضِه عن العالمِ وما فيه قلا يبقى فيه فَضْلٌ ولا سَعَةٌ لغيرِ من اجتمعَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ . وفي هذه مَن أَرادَ مِنْ صاحِبِه مَا يَعْهَدُهُ مِنْهُ من المُؤانسَةِ والمُذاكرَةِ فقد ظَلَمَهُ . وأَمَّا قَبْضُ التَّفرقَةِ فهو الَّذي يَحصُلُ لمن تَفَرَّقَ قلبُهُ عن الله وتَشَتَّت في الشِّعاب والأَودِيَةِ فأَقَلُّ عُقوبَتِهِ مَا يجدهُ من القَبْض الَّذي ينتَهي معه الموتُ . وثَمَّ قَبْضٌ آخَرُ خَصَّ الله به ضَنائنَ عِبادِهِ وخَوَاصَّهم وهم ثلاثُ فرقٍ . وتَحقيقُ هذا المَحَلِّ في كُتُبِ التَّصَوُّفِ وفي هذا القدر كفَايَةٌ .
ق ر ب ض