أَرَاد لَمَغْرُورٌ جِدّاً أَو لَمَغْرُورٌ حَقَّ مَغْرُورٍ ولَوْلا ذلك لم يَكُن في الكَلامِ فائدَة لأَنّه قد عُلِم أَنّ كُلَّ مَنْ غُرَّ فهو مَغْرُورٌ فأَيُّ فائدةٍ في قوله : لَمَغْرُور ؟ إِنّمَا هو على ما فُسِّر ؛ كذا في المُحْكَم . فاغْتَرَّ هُوَ : قَبِلَ الغُرُورَ . وقال أَبو إِسحاق في قولِهِ تعالَى : يا أَيُّهَا الإِنْسَانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ . أَي ما خَدَعك وسَوَّلَ لك حتَّى أَضَعْتَ ما وَجَب عليه ؟ وقال غَيْرُه : أَي ما خَدَعَكَ برَبِّك وحَمَلَكَ على مَعْصِيَتِه والأَمْنِ من عِقَابِه ؟ وهذا تَوْبِيخٌ وتَبْكِيتٌ للعَبْد الذي يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ ولا يَخافُه . وقال الأَصمعيّ : ما غَرَّك بفُلانٍ أَي كَيْفَ اجْتَرَأْتَ عليه ؟ وفي الحديث : عَجِبتُ من غِرَّتِه باللهِ عَزَّ وجَلَّ أَي اغْتِراره . والغَرُورُ كصَبُورٍ : الدُّنْيَا صِفَةٌ غالِبَة وبه فُسِّر قولُه تعالى : وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ باللهِ الغَرُورُ قيل لأَنَّهَا تَغُرّ وتَمُرّ . والغَرُورُ : ما يُتَغَرْغَرُ بِهِ من الأَدْوِيَةِ كاللُّعُوقِ والسَّفُوفِ لِمَا يُلْعقَ ُويُسَفّ . والغَرُورُ أَيضاً : مَا غَرَّك من إِنْسَان وشَيْطَانٍ وغَيْرِهِمَا ؛ قاله الأَصْمَعِيّ وقال المُصَنّف في البَصَائر : مِنْ مالٍ وجَاهٍ وشَهْوَةٍ وشَيْطَانٍ أَو يُخَصّ بالشَّيْطَانِ عن يَعْقُوبَ أَي لأَنَّهُ يَغُرّ النّاسَ بالوَعْدِ الكاذِبِ والتَنْمِيَة وبه فُسِّرَ قولُه تعالَى : ولا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ وقِيلَ : سُمِّيَ به لأَنّه يَحْمِلُ الإِنْسَانَ على مَحابِّه ووَراءَ ذلك ما يَسُوءُه كَفَانَا اللهُ فِتْنَتَه . وقِيل : إِنّ الشَّيْطَانَ أَقْوَى الغارِّين وأَخْبَثُهُم . وقال الزَّجَاج : ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الغُرُور بالضَّمّ وقال في تَفْسِيره : الغُرُور : الأَباطِيلُ كأَنَّهَا جمع غَرّ مصدر غَرَرْتُهُ غَرّاً . قال الأَزهريّ : وهو أَحسنُ من أَنْ يُجْعَل مَصْدَرَ غَرَرْتُ غُرُوراً لأَنَّ المتعدِّىَ من الأَفعال لا تَكادُ تَقع مصادِرُهَا على فُعُولٍ إِلاّ شاذّاً . وقد قال الفَرّاءُ : غَرَرْتُه غُرُوراً . وقال أَبو زَيْد : الغُرُورُ : الباطِلُ وما اغْتَرَرْتَ به من شَيْءٍ فهو غُرُورٌ . وقال الزَّجّاج : ويَجُوزُ أَنْ يكونَ جَمْع غارٍّ مثل شاهِدٍ وشُهُودٍ وقاعِدٍ وقُعُودٍ . وقَوْلُهُم : أَنَا غَرِيرُك منه أَي أُحَذِّرُكَهُ وقال أَبو نَصْرٍ في كتابِ الأَجْنَاس : أَي لن يأْتِيَكَ منه ما تَغْتَرُّ به كأَنَّهُ قال : أَنا القَيِّم لكَ بذلِكَ . وقال أَبو مَنْصُورٍ : كأَنَّهُ قال : أَنا الكَفِيلُ لك بِذلِكَ . وقال أَبو زَيْد في كِتَابِ الأَمْثَال : ومن أَمْثَالِهِم في الخِبْرَةِ والعِلْم : أَنا غَرِيرُك من هذا الأَمْرِ أَي اغْتَرَّنِي فسَلْني مِنْه على غِرَّة أَي أَني عالم به فمَتَى سَأَلْتَنِي عنه أَخْبَرْتُك به من غَيْرِ اسْتِعْدَادٍ لذلك ولا رَوِيَّة . وقال الأَصمعيّ : هذا المَثَلُ معناهُ أَنَّك لَسْتَ بمَغْرُورٍ منّي لكشنّي أَنا المَغُرور وذلِك أَنّه بَلَغَنِي خَبرٌ كان باطِلاً وأَخْبرْتُك به ولم يكُنْ على ما قُلْتُ لك وإِنّمَا أَدَّيْتُ ما سَمِعْتُ . وقال أَبو زَيْدٍ : سمعتُ أَعرابِيّاً يقول لآخَرَ : أَنا غَرِيرُك مِنْ تَقُولَ ذلك يقول : مِنْ أَنْ تقولَ ذلك . قال : ومعناه اغْتَرَّنِي فسَلْنِي عن خَبَرِه فإِنّي عالم به أُْخِبرَك عن أَمْرِه على الحَقّ والصِّدْقَ . وقال الزمخشريّ بمثل ما قال أبو زَيْدٍ حيث قال : أَي إِن سَأَلْتَنِي على غِرَّةٍ أُجِبْك به لاسْتِحْكَام عِلمِي بحَقِيقَتِه . وغَرَّرَ بنَفْسِه وكذلك بالمالِ تَغْرِيراً وتضغِرَّةً كتَحِلَّة وتَعِلَّة : عَرَّضَها لِلْهَلَكَةِ من غير أَنْ يَعْرِفَ والاسْمُ الغَرَر مُحََّركةً وهو الخَطرَ ُ ومنه الحديثُ : نَهَى رَسُولُ الله صلَّى الله تعالَى عليه وسَلَّم عن بَيْع الغَرَر وهو مِثْلُ بَيْعِ السَّمَك في المَاءِ والطَّيْرِ في الهَوَاءِ . وقِيلَ : هو ما كانَ له ظاهرٌ يَغُرّ المُشْتَرِيَ وباطِنٌ مَجْهُول . وقِيل : هو أَنْ يكونَ على غَيْرِ عُهْدَةٍ ولا ثِقَةٍ . قال الأَزهريّ : ويَدْخُل في بَيْع الغَرضرِ البُيُوعُ المَجْهُولَة الّتي لا يُحِيطُ بكُنْهِها المُتبايِعان حَتَّى