وسِنِمّار : اسمُ رجلٍ أعجَميّ إسْكاف وقيل : بنّاءٌ مُجيد رُوميٌّ قاله أبو عُبيد قال : شيْخُنا : وكأنه جرى على إطلاقِ الإسْكافِ على كُلِّ صانع وهو مشهور والأكثرُ إطلاقُه على من يشْتغلُ النِّعالَ خاصّةً بَنى قَصْراً لبعض المُلُوك قيل : للنُّعْمانِ بن امْرئِ القيْسِ كذا في الصّحاح أي الأكبر كذا في المُضافِ والمنْسُوب للثَّعالبيّ وقيل : للنُّعْمانِ بن امْرئِ القَيْسِ بن النُّعْمانِ بن امرئٍ القيْس الثاني ونَصُّ أبي عُبيْد : للنُّعْمانِ بن المُنْذرِ وزاد : فبنى الخورْنَقَ الذي بَظَهْرِ الكُوفة فلما فرغَ منه قيل : كانت مُدَّةُ بنائه له عشرين عاماً ألْقاهُ من أعْلاه فخَرَّ ميتاً لئلاّ يبْنيَ لغيرهِ مثله وهو نصَّ الصّحاح . وقال أبو عُبيد : فلمّا نَظَرَ إليه النُّعْمانُ كَرِهَ أن يَعْمل مثله لغيره وفي عبارة بعضهم : فلمّا أتَمَّه أشرفَ به على أعلاه فرَماه منه غيْرَةً منه أن يبْنيَ لغيره مثله أو الباني للقَصْرِ غُلامٌ لأحَيْحةَ بن الجُلاح وبه جزم ابن الأعرابيّ وصحّحه غيره قال أبو سعيدٍ السُّكَّري : وكان قد بنى له أطُمَهُ فلما فرغَ من بنائهِ قال له أحيْحةُ : لقد أحْكمْتَهُ وأتْقنْتَ صنْعَته قال : لا يَكونُ شيءٌ أوْثَقَ منه وإني لأعرفُ حَجَراً فيه لونُزع وسُلَّ من موْضِعهُ لتقوَّضَ من عنْدِ آخره وانهدمَ . فسألهُ عن الحَجَرِ وقال : أرنيهِ ؟ فأصْعَدَه فأراهُ موضِعهُ فدفَعَهُ أحَيْحةُ من أعلى الأُطُم فخر ميتاً لئلا يَعْلم بذلك الحجرِ أحدٌ . فضُرِبَ به المثلُ لمنْ يجْري الإحْسانَ بالإساءَةِ .
وقال أبو عُبيْد : لكُلِّ من فعلَ خيْراً فجُوزيَ بضِدِّه . وفي التهذيب : جزاهُ جزاءَ سِنِمّار في الذي يُجازى المُحْسِنَ بالسُّوأي وفي سِفْرِ السَّعادةِ للسَّخاويّ : لمن يُكافِيءُ بالشَّرّ على الإحْسانِ . قلت : ومآلُ الكُلّ إلى واحدٍ قال الشاعر : .
جَزَتْنا بَنوُ سَعْدٍ بِحُسْنِ فَعالِنا ... جَزَاءَ سِنِمّار وما كانَ ذا ذَنْبِ كذا في المُحْكمِ والصّحاح . قال شيخُنا : وأنشد الجاحظُ في كتابِ الحَيَوان لبعْضِ العربِ : .
جّزاني جَزَاهُ اللهُ شَرَّ جَزائِه ... جَزاءَ سِنِمّارٍ وما كانَ ذا ذَنْبِ .
بَنَى ذلك البُنْيانَ عِشْرين حِجَّة ... تعالى عليهِ بالقَرامِيدِ والسَّكْبً .
فلما انْتهى البنيانُ يومَ تمامهِ ... وصارَ كمِثْلِ الطَّوْدِ والبَاذخِ الصَّعْب .
رَمَى بِسِنِمّار على أمِّ رَأسِه ... وذاكَ لعَمْرُ اللهِ من أعْظَمِ الخَطْبِ وأنشد بعضُهم البيتَ الثالث هكذا .
فلما رأى البُنيانَ تَمّ سُحُوقُه ... وآضَ كمِثلِ الطَّوْدِ والباذِخِ الصَّعْبِ وزاد فيه : .
وظَنَّ سِنِمّارٌ به كلَّ خَيْرهِ ... وفازَ لديهِ بالكَرَامةِ والقُرْبِ .
فقالَ اقذِفُوا بالعِلْجِ من رأسِ شاهِقٍٍ ... وذاكَ لعَمْرُ الله من أعْظَم الخَطْبِ قال شيخُنا : وأنشدني شَيْخُنا الإمام العَلامةُ أبو عبدِ اللهِ محمد بن الشاذِليّ أعزه الله تعالى : .
ومنْ يَفْعَلِ المَعْروفَ مع غَيرِ أهلهِ ... يُجَازى الذي جُوزِي قديماً سِنِمّارُ قال : ومن شواهِدِ المُطَوَّل : .
جَزَى بَنُوه أبَا الغَيْلانِ عَنْ كِبَرٍ ... وحُسْنِ فِعْل كما يُجْزَى سِنِمّارُ وهكذا أنشده السَّخَاوِيّ في سِفْرِ السّعادة قال : وقال آخر : .
جَزَتْني بنو لِحْيانِ حَقْنَ دِمائِهمْ ... جزاءَ سِنِمّارٍ بما كان يَفْعَلُ ولهم فيه أمثالٌ وأشعارٌ كثيرة وأورده أهلُ الأمثالِ قاطِبةً وفيما أوردناه كِفاية .
سنهر