قال ابنُ جِنِّي : ووجهُ استقباحِ العرب الإِيطاءَ أَنَّه دالٌّ عندهم على قلَّةِ مادَّةِ الشَّاعر ونَزارَةِ ما عنده حتَّى اضطُرَّ إلى إعادة القافية الواحدة في القصيدة بلفْظِها ومعناها فيَجْري هذا عندهم لِمَا ذَكرناه مَجْرى العِيِّ والحَصَرِ وأَصله أن يَطَأَ الإنسانُ في طريقه على أَثَرِ وَطْءٍ قبلَه فيُعيدَ الوَطْءَ على ذلك الموضع وكذلك إعادَةُ القافية من هذا وقال أبو عمرو بن العلاءِ : الإِيطاءُ ليس بعَيْبٍ في الشِّعر عند العرب وهو إعادَةُ القافية مرَّتين . ورُوِيَ عن ابنُ سَلامٍ الجمحي أَنَّه قال : إذا كَثُرَ الإِيطاءُ في قصيدةٍ مرَّاتٍ فهو عَيْبٌ عندهم . والوَطَأَةُ محرَّكةً ككَتَبةٍ في جمع كاتب والواطِئَةُ : المارَّةُ والسَّابِلَةُ سُمُّوا بذلك لوَطْئِهم الطَّريقَ وفي التهذيب : الوَطَأَةُ : هم أَبناءُ السَّبيلِ من النَّاسِ لأنَّهم يَطَؤون الأَرضَ . وفي الحديث أَنَّه قال للخُرَّاصِ " احْتاطُوا لأَهْلِ الأَمْوالِ في النَّائبة والواطِئَة " يقول : استَظْهِروا لهم في الخَرْصِ لما يَنوبُهم وينزِلُ بهم من الضيفان . واسْتَطَأَ كذا في النسخ والصواب اتَّطَأَ كافْتَعَلَ إذا استقامَ وبَلَغَ نِهايَتَهُ وتَهَيَّأَ مُطاوِع وَطَّأَه تَوْطِئَةً . وفي الأَساس : ومن المجاز يقال للمضياف : رجلٌ مُوَطَّأُ الأَكنافِ كمُعَظَّم ووطِيئُها وتقول : فيه وَطَاءةُ الخُلُقِ ووَضاءةُ الخَلْقِ : سَهْل الجوانب دَمِثٌ كريمٌ مِضْيافٌ ينزل به الأَضياف فيَقْريهم ورجلٌ وَطِيءُ الخُلُقِ على المَثَلِ أَو رجل يَتَمَكَّنُ في ناحيَتِهِ صاحِبُهُ بالرفع فاعل يتمكَّن غيرَ مُؤْذًى ولا نابٍ به موضعه كذا في النهاية وفي الحديث " ألا أُخْبِرُكُمْ بأَحبِّكُمْ إليَّ وأَقْرَبَكُمْ منِّي مَجالِسَ يَوْمَ القِيامَةِ ؟ أَحاسِنُكُمْ أَخْلاقاً المُوَطَّؤونَ أَكْنافاً الذين يأْلَفونَ ويُؤْلَفونَ " قال ابنُ الأَثير : هذا مَثَلٌ وحقيقتُه من التَّوْطِئَةِ وهي التَّمْهيدُ والتَّذْليل . وفي حديث عمَّار أَنَّ رجلاً وَشَى به إلى عُمَرَ فقال : " اللَّهُمَّ إِنْ كانَ كَذَبَ عَلَيَّ فاجْعَلْهُ مُوَطَّأَ العَقِبِ " يقال : رجلٌ مُوَطَّأُ العَقِبِ أَي سُلطانٌ يُتَّبَعُ ويُوطَأُ عَقِبُهُ أَي كثير الأَتْباعِ دَعَا عليه بأَن يكون سُلْطاناً أَو مُقَدَّماً فيتبَعُه النَّاسُ ويمشون وراءه . وفي الحديث أَنَّ رِعاءَ الإبلِ ورِعاءَ الغَنَم تَفاخَروا عنده فأَوْطَؤوهم رِعاءَ الإبل أَي غلبوهم وقهروهم بالحُجَّة وأَصله أَنَّ من صارَعْتَه أَو قاتلْتَه فصرعته فقد وَطِئْتَه وأَوْطَأْتَه غيرَك . والمعنى جعلوهم يُوطَؤونَ قهراً وغَلَبَةً . وفي حديث عليٍّ " كنتُ أَطَأُ ذِكْرَه " أَي أُغَطِّي خَبَرَه وهو كِنايةٌ عن الإخْفاءِ والسَّتْرِ . وقيل : الواطِئَةُ : سُقاطَةُ التَّمْرِ هي فاعِلَةٌ بمعنى مَفْعُولَةٍ لأنَّها تَقَعُ فتَوْطَأُ بالأَقدام وقيل : هي من الوَطَايَا جمعُ وَطيئَةٍ تجري مجرى العَرِيَّةِ سمِّيت بذلك لأنَّ صاحبها وطَّأَها لأهلِها أَي ذَلَّلَها ومَهَّدَها فلا تَدْخُلُ في الخَرْصِ . وكان المناسب ذِكرها عند ذِكر الوَطيئَة . وهم أَي بنو فلان يَطَؤُهم الطَّريقُ أَي أَهله والمعنى ينزِلونَ بقُربِهِ فيَطَؤُهم أَهلُه حكاه سيبويه فهو من المجازِ المُرْسَل وقال ابنُ جِنِّي : فيه من السَّعَةِ إخْبارُكَ عمَّا لا يَصِحُّ وَطْؤُه بما يَصِحُّ وَطْؤُه فنقول قياساً على هذا : أَخذنا على الطريق الواطِئ لبني فلانٍ . ومررنا بقومٍ مَوْطُوئِينَ بالطَّريقِ ويا طَريقُ طَأْ بنا بني فلانٍ أَي أَدِّنا إليهم قال : ووجه التشبيه إخبارُك عن الطريق بما تُخبر به عن سالكيه فشبَّهْتَه بهم إذْ كانَ المُؤَدِّي له فكأَنَّه هم وأَمَّا التوكيد فلأنَّك إِذا أَخبرتَ عنه بوَطْئه إيَّاهم كانَ أَبلغَ من وَطْءِ سالكيه لهم وذلك أَنَّ الطَّريق مُقيمٌ مُلازمٌ وأَفعالُه مُقيمةٌ معه وثابتَةٌ بثَباتِه وليس كذلك أَهلُ الطَّريق لأنَّهم قد يَحْضُرون فيه وقد يَغيبون عنه وأَفعالُهم أيضاً حاضرةٌ وَقْتاً وغائبَةٌ آخَرَ فأَينَ هذا ممَّا أَفعالُه ثابتةٌ مستمرَّةٌ ؟ ولمَّا كانَ هذا كلاماً كانَ الغَرَضُ فيه المَدْحَ والثناءَ اختاروا له أَقوى اللفظين لأنَّه يُفيد أَقْوى