وتَشْهَد له الرِّوايةُ الُخْرَى قُلْتُ يا رَسُولَ اللهِ ما الخَيْطُ الأَبْيَضُ من الخَيْطِ الأَسْوَدِ أَهما الخَيْطانِ ؟ قال : إِنك لَعَرِيضُ القَفَا إِن أَبْصَرْتَ الخَيْطَيْنِ وقيل : أَراد أَن من تَوَسَّدَ الخَيْطينِ المَكْنِيّ بهما عن الليلِ والنهارِ لَعرِيضُ الوِسَادِ . كذلك قولُه صلى اللهُ عَليه وسلَّمَ في شُرَيْح الحَضْرَمِيِّ في خَبَرٍ مُرْسَل ذُكرَ عند النبيِّ صلى اللهُ عَليه وسلَّمَ فقال ذَاكَ رَجُلٌ لا يَتَوَسَّدُ القُرْآنَ قال ابنُ الأَعْرَابيّ يَحْتَمِلُ كَوْنَه مَدْحاً أِي لا يَمْتَهِنُه ولا يَطْرَحُه بل يُجِلّهُ ويُعَظِّمُه أَي لا يَنَامُ عنه ولكن يَتَهَجَّد به ولا يكون القُرآنُ مُتَوسَّداً معه بل هو يُدَاوِمُ قِرَاءَتَه ويُحَافِظ عليها لا كَمَنَ يَتَهَاوَنُ به ويُخِلّ بالوَاجِبِ مِن تِلاوَتِه . وضَرَبَ تَوسُّدَهُ مَثلاً للجمْعِ بينَ امْتِهَانِه والاطِّرَاح له ونِسْيَانِه يَحتَمِل كونَه ذَمًّا أِي لا يُكِبُّ علَى تِلاَوَتِه وإِذا نامَ لم يَكُنْ مَعه من القرآن شيءٌ مثل إِكْبَاب النائمِ عَلَى وِسَادِه فإِن كان حَمِدَهُ فالمَعْنى هو الأَوَّل وإِن كان ذَمَّه فالمعْنَى هو الآخِر قال أَبو منصور : وأَشْبهُهُما أَنه أَثْنَى عليه وحَمِدَه وقد رُوِيَ في حديث آخَر مَنْ قَرَأَ ثَلاَثَ آيَات من القُرآنِ لم يَكُنْ مُتَوَسِّداً لِلْقُرْآنِ . ومِنْ الأَوَّلِ قولُه صلى اللهُ عَليه وسلَّمَ في حديثٍ آخَر لاَتَوَسَّدُوا القُرْآنَ واتْلُوه حَقَّ تِلاَوَتِه ولاَ تَسْتَعْجِلُوا ثَوَابَهُ فإِنَّ لَهُ ثَوَاباً . ومن الثاني ما يُرْوَى أَنَّ رُجُلاً قال لأَبي الدَّرْدَاءِ Bه : إِنّي أُرِيد أَن أَطْلُبَ العِلْمَ فأَخْشَى وفي بعض النسخ بالواو أَنْ أُضَيِّعَه . فقال : لأَنْ تتَوَسَّدَ العِلْمَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَوسَّدَ الجَهْلَ يقال : تَوَسَّدَ فُلانٌ ذِرَاعَه إِذا نَامَ عليه وجَعلَه كالوِسَادَة له وقال الليث : يقال : وَسَّدَ فُلانٌ فلاناً وسَادَةً وتَوَسَّدَ وِسَادَةً إِذا وَضَعَ رَأْسَه عليها وقد أَطالَ شُرَّاحُ البخاريّ في شَرْحِ الحَديثينِ ولَخَّصَه ابنُ الأَثير في النِّهَاية قال شيخُنَا : وما كان من الأَلفاظ والتَّراكِيب مُحْتَمِلاً كهذا التركيبِ يُسَمَّى مثلُه عند أَهل البديع الإيهامَ والتَّوْرِيَةَ والمُوَارَبَةَ أَي المُخَاتَلَةَ كما في مُصَنَّفَاتِ البديع .
ومما يستدرك عليه : الإِسادَةُ لُغَة في الوِسَادَة كما قالوا في الوِشَاحِ إِشَاحٌ . وفي الحديث " إِذا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلى غَيْرِ أَهْلِه فانْتَظِر السَّاعَةَ " أَي أُسْنِد وجُعِلَ في غَيْرِ أَهْلِه يَعنِي إِذَا سُوِّدَ وشُرِّف غيرُ المُسْتَحِقِّ للسِّيادَةِ والشَّرَفِ . وقيل : إِذا وُضِعَتْ وِسَادَةُ المُلْكِ والأَمرِ والنَّهْيِ لغيرِ مُستحِقِّهِما ويكون إِلى بمعنى اللام . والتَّوْسِيد : أَنْ تمدَّ الثلام طُولاً حَيْثُ تَبْلُغُه البَقرُ . ويقال للأَبْله : هو يَتَوَسَّدُ الهَمَّ .
و ص د