قال المفضَّل . سَبِيلُ ذي الأعوادِ يريد المَوْتَ وعَنَى بالأَعْوَادِ : ما يُحمل عليه المَيتُ . قال الأزهريُّ : وذلك أَن البَوادِيَ لا جَنائِزَ لهم فهم يَضُمُّون عُوداً إلى عُودٍ ويحملون المَيتَ عليها إلى القبر . وقال أَبو عدنان : هذا أَمرٌ يُعود الناسَ عليَّ أَي يُضَرِّيهم بِظُلْمي . وقال : أَكرَهُ تَعوُّدَ النَّاسِ عليَّ فيَضْرَوْا بِظُلْمِي . أَي يَعْتَادُوه . وفي حديثِ معاوية : " سَأَله رجلٌ فقال : إِنَّكَ لَتَمُتُّ بِرَحِمٍ عَودةٍ فقال : بُلَّهَا بِعَطَائِك حتَّى تَقْرُبَ " أَي بِرَحِمٍ قديمةٍ بعيدةِ النَّسبِ . وعوَّدَ الرَّجلُ تَعويداً إذا أَسَنَّ قاله ابن الأَعرابيّ وأَنشد : .
" فقُلْنَ قد أَقْصَرَ أَو قَدْ عَوَّدَا أَي صار عَوْداً كبيراً قال الأَزهريُّ : ولا يقال عَوْدٌ لِبعيرٍ أَو شاةٍ . وقد تقدَّم . وقال أَبو النّجم : .
" حتَّى إذا اللَّيْلُ تَجَلَّى أَصحَمُهْ .
" وانْجَابَ عن وَجْهٍ أَغَرَّ أَدْهَمُهْ .
" وتَبِعَ الأَحمَرَ عَوْدٌ يَرْجُمُهْ أَراد بالأَحْمَرِ الصُّبْحَ وأَراد بالعَوْد : الشَّمْسَ . قال ابن بَرِّيّ : وقول الشاعر : .
" عَوْدٌ على عَوْدٍ على عَوْدٍ خَلَقْ العَوْد الأَول : رجلٌ مُسِنُّ والثاني : جَمَلٌ مُسِنٌّ والثالِث : طَرِيقٌ قَدِيم . والعَوْد : اسم فَرَسِ مالِك بن جُشَم . وفي الأَساس : عادَ عليهم الدّهْرُ : أَتى . عليهم وعاد الرِّياحُ والأَمطارُ على الدَّارِ حتى دَرَسَتْ . ويقال : ركب الله عوداً على عود إذا هاجت الفتنةُ ورَكِبَ السهمُ القَوسَ للرَّمْيِ . وفي شرح شيخنا : وبَقِي عليه من مَباحِث عاد : له ستةُ أَمكنةٍ فيكون اسماً وفعلاً تامّاً وناقصاَ وحرفاً بمعنى إِنَّ وحرفا بمنزلَة هل وجواب الجملةِ المتضمّنَةِ معنى النَّفْيِ مَبْنِيّاً على الكسر متصلاً بالمضمَرات .
الأَول : يكون هذا اللفظ اسماً متمكِّناً جارياً بتصاريف الإِعراب نحو : وعاداً وثموداً .
الثاني : فِعلاً تاماً بمعنى : رَجَعَ أو زارَ .
الثالث : فِعْلاً ناقِصاً مفتقراً إلى الخَبرِ بمنزلةِ كانَ بشَرْط أَن يَتَقدَّمها حَرْفُ عَطْفٍ . وعليه قولُ حَسَّان .
ولقد صَبَرْت بها وعادَ شَبابُها ... غَضَّاً وعادَ زَمانُها مُسْتَطْرفَا أَي وكان شبابُها .
الرابع : حرفاً عامِلاً نصباً بمنزلة إِنَّ مبنيّاً على أَصْلِ الحَرْفِيَّة محرّكاً لالتقاءِ الساكِنَيْنِ مكسوراً على الأَصل فيه بشرط أَن يتقدَّمها جملةٌ فعليةٌ وحرفُ عطف كقولك : رَقَدْت وعادِ أَبَاكَ ساهِرٌ أَي وإِنّ أَباك ومنه مَشْطُور حَسَّان : .
عُلِّقْتُها وعادِ في قَلبي لَهَا ... وعادِ أَيّامَ الصِّبا مستقبَلَه وقال آخَرُ : .
" أَنْ تَعْلُوَنْ زيداً فعادِ عَمْرَا .
" وعَادِ أَمْراً بَعْدَه وأَمْرَا أَي فإِنَّ عَمْراً موجدودٌ .
الخامس : أَن يكونَ حرفَ استفهامٍ بمنزلة هَلْ مبنيّاً على الكَسْر للعِلَّة المذكورة آنفاً مفتقراً إلى الجوابِ كقولك : عادِ أَبُوك مُقيمٌ ؟ مثل : هَلْ أَبوك مُقِيمٌ .
السادس : أَن يكونَ جواباً بمعنى الجملةِ المُتَضَمِّنَة لمعنَى النَّفي بِلَم أو بما فقط مبنياً على الكسر أَيضاً وهذا إن اتصلت بالمُضمَرات يقول المستفهمُ . هل صَلَّيت ؟ فيقول : عادِني أَي إِنّي لم أُصَلِّ أَو إِنّني ما صَلَّيتُ . وبعضُ الحجازِيّين يحذفُ نونَ الوقايةِ واللغتان فصيحتانِ إذا كان عاد بمعنَى إِن ولا يمتنع أَن تقول إني وإِنني . هذا إذا عاد بياءِ النَّفس خاصةً فإِن اتَّصَلت بغيرها من المضمَرات كقول المجيب لمن سأَله عن شْيِ . عادِه أَو عادِنا . وكذا باقي المضمرَرات فإِثباتُ نونِ الوقاية مُمْتَنِعٌ تَشبيهاً بإِن ورُبّمَأ فاهَ بها المستفهِمُ والمُجِيب يقول المستفهم : عادِ خَرَجَ زيدٌ ؟ فيقول المُجِيب له : عادْ أَي إِنَّه لم يخرج أَو إِنه ما خَرَج . قال وهذه فائدة غريبة لم يُورِدْها أَحدٌ من أَئمّةِ العَرَبية من المطوِّلين والمختصِرين . والمصنِّف أجمعُ المتأَخِّرين في الغرَائبِ ومع ذلك فلم يتعرَّض لهذه المعاني ولا عَدَّها في هذهِ المبانِي . انتهى