فهذا كُلُّه قُصِدَ الحُكْمُ على لَفْظِه دُونَ مَعْنَاه . وقال الأَزهريُّ : زعموا أَنه في هذا الموضع يُرادُ به القَلْبُ وما فيه المَعْقُولُ واللُّبُّ قال : وهذا غير قَوِيٍّ . قلت : وحَكَآ ثَعْلَبُ عن الفَرَّاءِ : قالوا : أنت عِنْدِي ذاهِبٌ أَي في ظَنِّي . وقال الليث : وهو في التقريبِ شِبْه اللِّزْقِ ولا يَكادُ يَجِيءُ في الكلام إِلاَّ منصوباً لأنه لا يكون إِلاَّ صفةً معمولاً فيها أَو مُضْمَراً فيها فِعْلٌ إلا في قولهم : أَو لك عِنْدٌ . كما تقدَّم . وقد يُغْرَى بِهَا أَي حالَة كونِها مُضَافَةً لا وحَدهَا كما فَهِمَه غيرُ واحدٍ من ظاهِرِ عبارةِ المصنِّف لأَن الموضوعَ للإِغراءِ هو مجموعُ المضافِ والمضافِ إليه . صَرَّحَ به شيخُنا . ويدلّ لذلك قوله : عنْدَك زَيداً أي خُذْهُ وقال سيبويهِ : وقالوا : عِنْدَكَ تُحَذِّرُه شَيْئاً بين يَدَيْهِ أَو تَأْمُره أَن يَتَقَدَّم وهو من أَسماءِ الفِعْلِ لا يَتَعَدَّى . وقال الفرّاءُ : العَرَبُ تأْمُر من الصِّفاتِ بِعَلَيْكَ وعِ ْدَكَ ودُونَك وإِلَيْك يقولون : إِليكَ إِليكَ عَنِّي كما يَقُولون : وراءَك وَراءَك فهذه الحروفُ كثيرة . وزَعَم الكسائيُّ أَنَّه سَمِعَ بَيْنَكُما البَعير فَخُذَاه . فنَصَب البَعِيرَ . وأَجاز ذلك في كلِّ الصِّفاتِ التي تُفْرَد ولم يُجِزْه في اللامِ ولا الباءِ ولا الكافِ وسَمِعَ الكسائيُّ العَرَب تقولُ : كما أَنْتَ وزيداً ومكانَك ووزيداً . قال الأَزهريُّ : وسمعتُ بعض بني سُلَيْمٍ يقول : كَمَا أَنْتَنِي يقول : انتَظِرْنِي في مكانِكَ . قال شيخُنا : وبَقِيَ عليهم أنهم استَعْملوا عِنْد في مُجَرَّد الحُكْم من غيرِ نَظَرٍ لظَرْفيّةٍ أَو غيرِهَا كقولِهم عنِدي مالٌ اما هو بِحَضْرتك ولما غابَ عَنْك ضُمِّنَ معنَى المِلْك والسُّلطانِ على الشيءِ ومن هُنا استُعْمِل في المَعَانِي فيقال : عِنْدَه خَيْرٌ وما عِنْدَه شَرُّ لأَنَّ المَعَانِيَ ليس لها جهَاتٌ . ومنه " فإِنْ أَتمَمْتَ عَشراً فمنْ عِنْدِك " أَي من فَضْلِكَ . ويكون بمعنى الحُكْم يقال : هذا عِنِدي أَفضلُ من هذا أَي في حُكْمِ . وأَصلُه في درة الغوّاص للحريريِّ . ولا تَقُلْ : مَضَى إلى عِندِهِ ولا إلى لَدُنْهُ وهكذا في الصحاح . وفي درة الغواص : قولهم : ذهبتُ إلى عِنْدِه لَحْنٌ لا يَجُوز استعمالُه ونسَبَه للعامَّةِ وفرَّق الدَّمامِينِيُّ بينَها وبين لَدُن من وُجوه سِتَّةٍ ورَدَّ ما زَعَمَه المَعَرِّيُّ من اتِّحادِهما ومَحَلُّ بَسْطِه المُطَوَّلاتُ . والعنْدُ مُثَلَّثَةً : النَّاحيَةُ . وبالتَّحْرِيكِ : الجانبُ وقد عانَد فُلانٌ فُلاناً إذا جَانَبه ودَمٌ عانِدٌ : يَسِيل جانباً . وبه فسر قول الراجز : .
" حُبَّ الحُبَارَى ويَزِفُّ عَنَدَه وقال ثعلب المُرَادُ بالجَانِبِ هنا الاعتراضُ . والمعنى يُعَلِّمه الطَّيرَانَ كما يُعَلِّمُ العُصفورُ ولَدَه وأَنشد : .
" وكُلُّ خنْزِيرٍ يُحِبُّ وَلَدَه .
" حَبَّ الحُبَارَى ... الخ ومن المجاز : سَحَابَةٌ عَنُودٌ كَصَبُورٍ : كَثيرةُ المَطَرِ لا تَكاد تُقلِع وجَمْعُه : عُنُدٌ قال الراعي : .
باتَتْ إلى دفْءِ أَرْطَاةٍ مُباشِرَةً ... دِعْصاً أَرَذَّ عليه فُرَّقٌ عُنُدُ نقله الصاغاني . وقِدْحٌ عَنُودٌ وهو الذي يَخْرُجُ فائِزاً على غيرِ جِهَةِ سائرِ القِدَاحِ نقله الصاغانيُّ . وأَعْنَدَهُ الرَّجلُ : عارَضَهُ بالوِفَاقِ نقله الصاغانيُّ وبالخِلافِ ضِدٌّ . وقال الأزهريّ : المُعَانِدُ هو المُعَارِضُ بالخِلافِ لا بالوِفاق وهذا الذي يعرِفه العَوامُّ . وقد يكون العِنادُمَعارضةً لغيرِ الخِلاف . وقد تقدَّم . قلت : فإذا كانتْ عامَّةً فلا يَظْهر للضِّدِّيَّةِ كَبِيرُ مَعْنى أَشار له شيخنا C تعالى . والعنْدَأْوَةُ بالكسر والهمز قد مَرَّ ذِكْرُه في باب الهَمْزِ قال أَبو زيد : يقال : " إِنْ تَحْتَ طرِّيقَتِكَ لَعِنْدَأْوَة " أَي تحتَ سُكونِك لَنَزْوةَ وطمَاحاً . ومنها من جَعَل الهَمْزةَ زائدةً فذكرها هنا ومنهم من قال بأَصالةِ الواو فذكرها في المُعْتَلِّ فوزْنه فنْعَلْوَة أَو فِعْلَلْوَة . ويقال مالي عَنْهُ عُنْدَدٌ وعُنْدُدٌ كَجُندَبٍ وقُنْفُذٍ . وكذا : ما لي عنه احتيال أَي بُدُّ قال :