" القُنُوتُ : الطَّاعَةُ " هذا هو الأَصلُ ومنه قوله تعالى : " والقَانِتِينَ والقَانِتَاتِ " كذا في المحكم والصّحاح . قُلْتُ : وهو قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وجابِرٍ وزَيْدٍ وعَطَاءِ وسعِيدِ بنِ جُبَيْر في تفسير قوله تعالى : " وقُومُوا لِلهِ قانِتِينَ " وقال الضَّحَّاكُ : كلُّ قُنُوتٍ في القُرْآنِ فَإِنّمَا يُعنَي به الطَّاعَةُ ورُوِىَ مثلُ ذلك عن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ Bه . وَقَنَتَ اللهَ يَقْنُتُهُ : أَطاعَه وقوله تعالى " كُلٌّ له قَانِتُون " أَي مُطِيعُونَ ومعنى الطَّاعَةِ هنا أَنَّ مَنْ في السَّموَاتِ " والأَرْض " مَخْلوقُون بإِرادَةِ اللهِ تعالى لا يَقْدِر أَحدٌ على تَغْيِيرِ الخِلْقَةِ " ولا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ " فآثارُ الخِلْقَةِ والصَّنْعَةِ تَدُلُّ على الطّاعَة وليس يُعْنَى بها طاعةُ العِبَادَةِ ؛ لأَنّ فيهما مُطِيعاً وغيرَ مُطِيعٍ وإِنما هي طاعةُ الإِرادَة والمَشيئَة . كذا في اللسان . القُنُوت : " السُّكُوتُ " قال زيدُ بن أَرْقَمَ : كنا نَتَكَلَّمُ في الصَّلاةِ - يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صاحِبَه وهو إِلى جَنْبِه - حتَّى نَزَلَتْ " وقُومُوا لِله قَانِتِينَ " فأُمِرْنا بالسُّكُوتِ ونُهِينَا عن الكلامِ فأَمْسَكْنَا عن الكلامِ . قَالَ الزَّجَّاجُ : المَشْهُور في اللغة أَنّ القُنُوتَ " الدُّعَاءُ " قلت : وهو المَرْوِيّ عن ابن عباس . قال الزَّجَّاج : وَحَقِيقَة القانِتِ أَنه القائم بأَمْرِ اللهِ فالدَّاعِي إِذا كانَ قائِماً خُصَّ بأَنْ يُقَال له : قَانِتٌ ؛ لأَنَّهُ ذاكِرٌ لِلهِ وهو قائِمٌ على رِجْلَيْهِ فحقيقةُ القُنُوتِ : العِبَادَةُ الدُّعَاءُ للهِ عزّ وجَلّ في حالِ القِيَام ويَجُوزُ أَن يَقَع في سائِرِ الطّاعَة ؛ لأَنّه إِن لم يَكُنْ قِيَامٌ بالرِّجْلَيْن فهو قيامٌ بالشيْءِ بالنِّيَّةِ . قال ابن سِيده : والقَانِتُ : القائِمُ بجَمِيعِ أَمرِ الله تعالى . وقيل : القَانِتُ : العَابِدُ " وكانَتْ مِنَ القانِتِين " أَي من العَابِدِينَ . وقال أَبو عُبَيْدٍ : أَصلُ القُنُوتِ فِي أَشياءَ فمنها : القِيَامُ وبهذا جاءَت الأَحَاديث " فِي " قُنُوتِ " الصَّلاةِ " ؛ لأَنَّه إِنما يَدْعُو قائِماً وأَبْيَنُ من ذلِك حديثُ جابِرٍ قال : " سُئلَ النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم : أَيُّ الصَّلاةِ أَفْضَلُ ؟ قال : طُولُ القُنُوتِ " يريد طُولَ القِيَامِ . وزَعَم ثعلَبٌ أَنَّ أَصلَ القُنُوتِ القيامُ نقله ابنُ سيده . والقُنُوتُ أَيضاً الصّلاة ويُقَالُ للمُصَلّى : قانِتٌ وفي الحديث " مَثَلُ المُجَاهِدِ في سبيلِ اللهِ كَمَثَلِ القَانِتِ الصَّائِمِ " أَي المُصَلِّي وقيل : القُنُوتُ القيامُ بالطَّاعَةِ التي ليس معها مَعْصيَةٌ . القُنُوتُ : " : الإِمْسَاكُ عن الكَلامِ " في الصَّلاةِ أَو مُطْلَقاً . " وأَقْنَتَ : دَعَا على عَدُوِّهِ " عن ابن الأَعْرَابِيّ ومنه دُعَاؤُه صلَّى الله عليه وسلَّم على رِعْل وذَكْوَانَ . أَقْنَتَ : " أَطالَ القيامَ في صَلاتِه " عن ابن الأَعرابيّ أيضاً وفي التنزيل " وَقُومُوا للهِ قَانتِينَ " كذا فَسَّرَهَا بَعْضُهُم . وقد تَكَرَّرَ ذِكْرُ القُنوتِ في الحَدِيث ويَرِدُ لِمَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ : كالطَّاعَةِ والخُشُوعِ والصَّلاةِ والدُّعَاءِ والعِبَادَةِ والقيامِ وطُولِ القيامِ والسُّكُوتِ فيُصْرَفُ كلّ واحدٍ من هذه المعاني إلى ما يَحْتَمِلُه لفظ الحديث الوارد فيه . وقال ابنُ الأَنْبَارِيّ : القُنُوتُ على أَربعةِ أَقسام : الصَّلاَة وطول القِيَام وإِقامَة الطّاعَة والسُّكُوت . أَقْنَتَ إِذا " أَدَامَ الحَجَّ " عن ابن الأَعْرَابيّ أَيضاً . أَقْنَتَ : " أَطَالَ الغَزْوَ " عن ابن الأَعْرَابِيّ أَيضاً . أَقْنَتَ إِذَا " تَوَاضَعَ للهِ تَعَالى " عن ابنِ الأَعْرَابيّ أَيضاً . فَتحَصَّل لنا مما تَقَدَّمَ من كلام المُؤَلِّف في معنى القنوت مَعَانٍ تسْعَة وهي : الطَّاعَةُ والسُّكُوتُ والدُّعَاءُ والقيَامُ والإِمْسَاكُ عن الكلام وطُولُ القيَامُ وإِدامةُ الحَجِّ وإِطَالةُ الغَزْو والتَّوَاضُعُ . ومما زيد عليه : العِبَادَةُ والصَّلاةُ وقد تقدم شاهدُهُما . والإِقْرَارُ بالعُبوديَّة والخُشُوعُ هذا عن مجاهد . وقد يقال : إِنَّ السُّكوتَ والإِمساكَ عن الكلام واحدٌ وإِنّ الخُشوعَ داخلٌ في التواضع وإِدامةَ