نظيرةً لها . وإِذا فَعلنا ذلك لم نخلُ من أحدِ أمرينِ : إمَّا أنْ نجعلَهُ العُمدةَ في المفاضلةِ بينَ العبارتين ولا نُعرَّجَ على غيرِه وإِمَّا أن نجعلَه أحدَ ما نُفاضلُ به ووجهاً منَ الوجوه التي تََقْتضيِ تقديمَِ كلام على كلام . فإِنْ أخذْنا بالأولِ لزِمَنا أنْ نقصرَ الفضيلةِ عليه حتى لا يكونَ الإعجازُ إلا به وفي ذلك ما لا يَخفى منَ الشَّناعة لأنه يؤدي إلى أن لا يكونَ للمعاني التي ذكرُوها في حدودِ البلاغة - من وضوحِ الدَّلالة وصوابِ الإِشارة وتصحيحِ الأقسام وحُسنِ التَّرتيب والنّظام والإِبداعِ في طريقةِ التَّشبيهِ والتَّمثيل والإجمالِ ثُمّ التفصيل ووضع الفصل والوصل موضعهما وتوفيه الحذف والتأكيد والتقديم والتأخير شرُوطهما - مدخلٌ فيما له كان القرآنُ مُعجزاً حتى ندَّعي أنَّهُ لم يكن معجزاً من حيثُ هو بليغٌ ولا من حيثُ هو قولٌ فَصْلٌ وكلامٌ شريفُ النّظم بديعُ التأليف وذلك أنه لا تعلُّقَ لشيءٍ من هذه المعاني بتلاؤمِ الحروف .
وإِنْ أخذنا بالثاني وهو أن يكونَ تلاؤمُ الحروفِ وجهْاً من وجوُهِ الفضيلةِ وداخلاً في عدادِ ما يُفاضَلُ به بين كلامٍ وكلامٍ على الجُملة لم يكن لهذا الخلافِ ضررٌ علينا لأنه ليس بأكثرَ من أن يعمدَ إلى الفصاحةِ فَيُخرجَها من حيَّز البلاغةِ والبيانِ وأن تكونَ نظيرةً لهما وفي عَدادِ ما هو شِبههُما منَ البراعةِ والجَزالةِ وأشباهِ ذلك مما يُنبىءُ عن شرفِ النَّظمِ وعنِ المزايا التي شرحتُ لكَ أمرَها وأعلمتُك جنسَها أو يجعلُها اسماً مُشتركاً يقعُ تارةً لما تقعُ له تلكَ وأخرى لِما يَرجعُ إلى سلامةِ اللّفظِ ممّا يثقُلُ على اللَّسان وليس واحدٌ منَ الأمرين بقادحٍ فيما نحنُ بصددهِ وإنْ تعسَّف متعسَّفٌ في تلاؤُمِ الحروفِ فبلغَ به أن يكون الأصلَ في الإِعجازِ وأخرج سائرَ ما ذكروه في أقسامِ البلاغة من أن يكونَ له مدخَلٌ أو تأثيرٌ فيما له كان القرآنُ معجزاً كان الوجهُ أن يُقالَ له : إنّهُ يلزَمُكَ على قياسِ قولك أن تُجوزُ أن يكونَ هاهُنا نظمٌ للألفاظِ وترتيبٌ لا على نسقِ المعاني ولا على وجهٍ يُقصدُ به الفائدةُ ثم يكونَ مع ذلك معجزاً وكفى به فساداً .
فإن قالَ قائلٌ : إني لا أجعلُ تلاؤمَ الحروفِ مُعجزاً حتى يكونَ اللفظُ ذلك دالاًّ وذاك أنه إنَّما تصعبُ مراعاةُ التعادلِ بينَ الحروف إذا احتيجَ مع ذلك إلى مراعاةِ المعاني . كما أنّه