( لا أُذيلُ الآمالَ بعْدَكَ إنّي ... بَعْدَها بالآمالِ جدُّ بخيلِ ) .
( كَمْ لَهَا موقفاً بِبَابِ صَديقٍ ... رَجَعتْ مِن نَداهُ بالتَّعطيلِ ) .
( لَمْ يَضِرْها والحَمْدُ للّهِ شَيءٌ ... وانثَنتْ نحْوَ عَزْفِ نَفْسٍ ذَهُولِ ) .
قال الجاحظُ : فتفقّدِ النصفَ الأخيرَ من هذا البيت فإِنك ستجدُ بعضَ ألفاظه يتبرَّأ من بعضٍ . ويزعمُ أنَّ الكلامَ في ذلك على طبقاتٍ فمنه المُتناهي في الثَّقْلِ المفرطُ فيه كالذي مَضى . ومنه ما هو أخفُّ منه كقولِ أبي تمام - الطويل - : .
( كَرِيمٌ مَتَى أَمْدَحْهُ أَمْدَحْهُ والوَرى ... جَميعاً ومَهْما لُمْتُه لمتهُ وَحْدِي ) .
ومنه ما يكونُ فيه بعضُ الكُلفة على اللّسان إلا أنه لا يبلغُ أن يعابَ به صاحِبُه ويشهَرَ أمرهُ في ذلك ويُحفظ عليه . ويَزْعُمُ أن الكَلام إذا سَلِم من ذلك وَصفا من شَوْبِهِ كان الفصيحَ المَشادَ به والمشارَ إليه . وأنَّ الصفاءَ أيضاً يكونُ على مراتبَ يعلو بعضُها بعضاً وأنَّ له غايةً إذا انتهى إليها كانَ الإِعجاز .
والذي يُبطل هذه الشُّبهةَ - إن ذهبَ إليها ذاهبٌ - أنّا إنْ قَصرنا صفةَ الفصاحةِ على كونِ اللّفظِ كذلك وجعلناهُ المرادَ بها لَزِمَنا أن نُخرجَ الفصاحةَ من حيَّز البلاغةِ ومن أن تكونَ