يقالَ : " ما من عادتها أن تحفظَ الأشياء " كذلك ينبغي أن يجوزَ : " ما مِنْ عادتها حفظُها الأشياء " . ذاك أنَّ إضافةَ المصدر إلى الفاعل يقتضي وجودَه وأنه قد كان منه . يبين ذلك أنك تقولُ : " أمرتُ زيداً بأن يخرجَ غداً " ولا تقول : " أمرتُه بخروجهِ غداً " .
ومما فيه خطأ هو في الخفاء قولُه - البسيط - : .
( ولا تَشَكَّ إلى خَلْقٍ فتُشْمِتَهُ ... شَكوى الجريحِ إلى الغِرْبان والرَّخَمِ ) .
وذلك أنك إِذا قلتَ : لا تضجَرْ ضجرَ زيدٍ " كنتَ قد جعلتَ زيداً يضجرُ ضرباً من الضجر مثلَ أن تجعله يُفرطُ فيه أو يسرعُ إليه . هذا هو موجِبُ العرفِ . ثم إن لم تعتبرْ خصوصَ وصفٍ فلا أقلَّ من أن تجعلَ الضجرَ على الجملةِ من عادتِه وأنْ تجعله قد كان منه . وإذا كان كذلك اقتضَى قوله : .
( شكوى الجريحِ إلى الغِربانِ والرَّخمِ ... ) .
أنْ يكونَ هاهنا جريحٌ قد عرف من حاله أن يكون له شكوى إلى الغربان والرخم وذلك محال . وإنما العبارة الصحيحة في هذا أن يقال : لا تَشَكَّ إلى خلقٍ فإِنك إنْ فعلتَ كان مثَلُ ذلكَ مثَلَ أن تصوِّر في وَهْمِك أنّ بعيراً دَبِراً كَشَفَ عن جرحهِ ثم شَكاه إلى الغِربان والرَّخم .
ومن ذلك أنك تَرى من العلماءِ مَنْ قد تأَوَّلَ في الشّيء تأويلاً وقَضى فيه بأمرٍ فتعتقده اتِّباعاً ولا ترتابُ أنه على ما قَضَى وتأوّل . وتبقى على ذلك الاعتقادِ الزمانَ - الطويل - َ ثم يلوح لك ما تعلمُ به أن الأمرَ على خلاف ما قدر .
ومثالُ ذلك أن أبا القاسم الآمدي ذكرَ بيت البحتري - البسيط - : .
( فصاغَ ما صاغَ من تِبْر ومن وَرِقٍ ... وحاكَ ما حاكَ من وَشْيٍ وديباجِ ) .
ثم قال : صوغُ الغيث وحوكُهُ للنبات ليس باستعارةٍ بلْ هو حقيقةٌ . ولذلك لا يقالُ :