وقولَه - الكامل - : .
( يا صاحِبيَّ عَصَيْتُ مصْطَبحَا ... وغدوتُ لللَّذَّاتِ مُطَّرِحا ) .
( فتزوَّدا منِّي مُحادَثةً ... حَذَرُ العصا لم يُبقِ لي مَرَحا ) .
وقولَ إسماعيلَ بنِ يسار - السريع - : .
( حتى إذا الصُّبحُ بدا ضوؤه ... وغابتِ الجوزاءُ والمِرْزَمُ ) .
( خرجتُ والوطءُ خَفِيٌّ كما ... ينسابُ من مَكْمنهِ الأرقَمُ ) .
أنقَ لها وأخذتْه أريحيةٌ عندَها وعرف لطفَ موقعِ الحذفِ والتنكيرِ في قوله : .
( نظرٌ وتسليمٌ على الطرقِ ... ) .
وما في قولِ البحتري : " لي عليك دموعُ " من شبه السحرِ وأَنَّ ذلك من أجل تقديم " لي " على " عليك " ثم تنكير الدموع . وعَرَفَ كذلك شرفَ قولِه : .
( وقالت نجومٌ لو طلعْنَ بأَسْعُدِ ... ) .
وعلوّ طبقته ودقَّة صنيعَتِه . والبلاءُ والداء العياء أن هذا الإِحساسَ قليلٌ في الناس حتى إنه ليكونُ أن يقعَ للرجل الشيءُ من هذه الفروقِ والوجوهِ في شِعْرٍ يقوله أو رسالةٍ يكتُبها الموقِعَ الحسنَ ثم لا يعلمُ أنه قد أحسنَ . فأما الجهلُ بمكانِ الإِساءة فلا تَعْدمُه . فلستَ تملِكُ إذاً من أمركَ شيئاً حتى تظفرَ بمَنْ له طبعٌ إذا قدحتَه وَرَى وقلبٌ إذا أريْتَهُ رأى . فأما وصاحِبُكَ مَنْ لا يرى ما تُريه ولا يهتدي للذي تَهديه فأنت رامٍ معه في غيرِ مَرْمًى ومُعَنٍّ نفسك في غيرِ جَدْوى . وكما لا تُقيم الشعرَ في نفسِ مَنْ لا ذوقَ له كذلك لا تُفْهِمُ هذا الشأنَ من لم يؤتَ الآيَة التي بها يَفْهم . إلا أنه إنما يكونُ البلاء إذا ظَنَّ العادمُ لها