ثم إنه لو كان أكثرُ ألفاظِ القرآن غَريباً لكان مُحالاً أن يدخلَ في الإِعجازِ وأن يصحَّ التحدِّي به . ذاك لأنه لا يَخْلو إذا وقعَ التحدِّي به من أن يُتَحدَّى مَنْ له عِلْمٌ بأمثالِه منَ الغريبِ أو مَنْ لا عِلْمَ له بذلك . فلو تُحدِّيَ به مَن يعلمُ أمثالَه لم يتعذَّر عليه أن يعارِضَه بمثله . ألا تَرى أنه لا يتعذَّرُ عليك إذا أنتَ عرفتَ ما جاء منَ الغريب في معنى - الطويل - أَنْ تُعارِضَ من يقولُ " الشَّوقب " بأن تَقولَ أنت : " الشَّوذب " . وإِذا قال : " الأمق " أن تقول : " الأشقّ " وعلى هذا السبيل . ولو تُحدِّي به من لا عِلْمَ له بأمثالِ ما فيه من الغريبِ كان ذلك بمنزلةِ أن يتحدّى العربَ إلى أن يتكلموا بلسانِ الترك .
هذا وكيفَ بأن يدخلَ الغريبُ في بابِ الفضيلة وقد ثَبتَ عنهم أنهم كانوا يرون الفضيلة في تركِ استعماله وتجنُّبه . أفلا ترىَ إلى قولِ عمرَ Bه في زهيرٍ : إنه كان لا يعاظِلُ بَيْنَ القولِ ولا يتتبَّعُ حُوشيَّ الكلام . فَقَرن تتبعَ الحُوشيِّ وهو الغريبُ من غير شُبهة إلى المعاظلة التي هيَ التعقيد .
وقال الجاحظُ في كتاب البيان والتبيين : ورأيتُ الناسَ يتداولون رسالةَ يحيى بنِ يعمر عن لسان يزيدَ بن المهلَّبِ إلى الحجاج : " إنّا لقينا العدُوَّ فقتلنا طائفةً ولحقتْ طائفةٌ بعراعرِ الأودية وأهضامِ الغِيطان وبِتنا بعُرْعُرَة الجبلِ وباتَ العدُوُّ بحضيضِه " . فقال الحجاج : ما يزيدُ بأبي عُذْرِ هذا الكلام . فحُمِل إليه فقال : أينَ ولدتَ فقال : بالأهواز :