" الحبيبُ أنت " أنّه لا فصلَ بينك وبينَ مَنْ تحبُّه إذا صَدَقَتِ المحبَّةُ وأنَّ مَثلَ المتحابَّيْنِ مَثَلُ نفسٍ يقتسمُها شخصان كما جاء عن بعض الحكماء أنه قال : الحبيبُ أنتَ إلا أنه غيرُك فهذا - كما ترَى - فرقٌ لطيفٌ ونكتةٌ شريفةٌ . ولو حاولتَ أن تُفيدَها بقولك : أنت الحبيبُ حاولتَ ما لا يَصحُّ . لأنَّ الذي يُعْقلُ من قولك : أنت الحبيبُ هو ما عناه المتنبي في قوله - البسيط - : .
( أَنْتَ الحبيبُ ولِكنِّي أَعُوذُ بهِ ... مِنْ أنْ أَكُونَ مُحِبّاً غيرَ مَحْبُوبِ ) .
ولا يَخفى بُعْدُ ما بينَ الغرضين فالمعنى في قولك : " أنت الحبيبُ " أنك أنت الذي أَخْتَصُّه بالمحبة مِنْ بين الناس . وإذا كان كذلك عرفتَ أن الفرقَ واجبٌ أبداً وأنه لا يجوزُ أن يكون " أخوك زيد " و " زيد أخوك " بمعنًى واحد .
وهاهُنا شيءٌ يجبُ النظُر فيه وهو أنَّ قولك : أنت الحبيبُ كقولِنا : أنت الشجاعُ تريدُ أنه الذي كَمَلت فيه الشجاعةُ . أو كقولنا : زيدٌ المنطلقُ تريد أنه الذي كان منهُ الانطلاقُ الذي سَمع المخاطَبُ به . وإذا نظرنا وجدناه لا يحتمِلُ أن يكونَ كقولنا : أنت الشجاعُ لأّنه يقتضي أن يكونَ المعنى أنه لا محبَّةَ في الدنيا إلا ما هو به حبيبٌ . كما أنَّ المعنى في " هوَ الشجاعُ " أنه لا شجاعَة في الدنيا إلا ما تجدُه عندَه وما هو شجاعٌ به وذلك محال .
وأمرٌ آخرُ وهو أن الحبيبَ ( فعيل ) بمعنى مَفعول . فالمحبّةُ إذاً ليست هيَ له بالحقيقة وإنما هي صِفةٌ لغيرهِ قد لا بستْهُ وتعلقتْ به تعلُّقَ الفعلِ بالمفعول . والصفةُ إذا وُصفتْ بالكمال وُصفتْ به على أن يرجعَ ذلك الكمالُ إلى مَنْ هي صفةٌ له دونَ مَن تُلابسهُ مُلابسةَ المفعول . وإذا كان كذلك بَعُدَ أن تقولَ : أنت المحبوبُ على معنى أنت الكاملُ في كونك مَحبوباً . كما أنَّ بعيداً أن يقالَ هو المضروبُ على معنى أَنه الكاملُ في كونِه