( ما لا يَكُونُ فلا يَكُونُ بِحيلةٍ ... أبداً وَمَا هُوَ كائنٌ سَيكونُ ) .
وَمِنْ لطيفِ هذا الباب قولُه - الطويل - : .
( وإنّي لَمُشْتاقٌ إلى ظِلِّ صاحِبٍ ... يَرِقُّ ويَصْفُو إنْ كدِرْتُ عَلَيْهِ ) .
قَدْ قَدّر كما ترَى ما لَمْ يَعْلَمْه موجوداً ولذلك قال المأمونُ : خُذْ مني الخلافَةَ وأعطني هذا الصاحب . فهذا التعريفُ الذي تراهُ في الصاحب لا يَعْرضُ فيه شَكٌّ أنه موهومٌ .
وأمَّا قولُنا : المنطلقُ زيدٌ والفرقُ بينَه وبينَ : " زيدٌ المنطلقُ " فالقولُ في ذلك أنك وإن كنتَ تَرى في الظاهر أنهما سواءٌ من حيثُ كانَ الغرضُ في الحَالَيْن إثباتَ انطلاقٍ قد سَبَق العِلْمُ به لزيدٍ فليس الأمرُ كذلك بل بينَ الكلامين فصلٌ ظاهرٌ . وبيانه أنك إذا قلتَ : زيدٌ المنطلقُ . فأنتَ في حديِث انطلاقٍ قد كان وعرَف السامعُ كونَه . إلاّ أنه لم يَعْلَم أَمِنْ زيدٍ كان أم من عمرٍو فإذا قلتَ : زيدٌ المنطلقُ أزلتَ عنك الشَّكَّ وجعلته يقطعُ وبأنه كان مِنْ زيدٍ بعد أن كان يَرى ذلك على سبيلِ الجواز . وليس كذلك إذا قدَّمتَ " المنطلقُ " فقلتَ : المنطلقُ زيدٌ بل يكون المعنى حينئذٍ على أنك رأيتَ إنساناً ينطِلق بالبُعد منك فلم يُثبته ولم تَعْلَم أزيدٌ هو أم عمرٌو . فقال لك صاحبُكَ : المنطلقُ زيدٌ أي هذا الشخصُ الذي تراه من بُعْدٍ هو زيدٌ . وقد تَرى الرجلَ قائماً بين يديكَ وعليه ثوبُ ديباجٍ والرجلُ ممن عَرفتَه قديماً ثم بَعُد عهدُك به فتناسيتهَ فيقالُ لك : اللابسُ الديباجَ صاحبُك الذي كان يكون عندَك في وقتِ كذا أما تعرِفُه لَشَدَّ ما نسيتَ ! ولا يكونُ الغرضُ أن يُثْبَتَ له لِبْسُ الديباجِ لاستحالةِ ذلك من حيثُ إن رؤيتَك الديباجَ عليه تُغْنيك عن إخبارِ مُخْبرٍ وإثباتِ مُثْبِتٍ لُبسه له . فمتى رأيتَ اسمَ فاعلٍ أو صفةً منَ الصفات قد بُدىءَ به فجُعل مبتدأً وجعُلِ الذي هو صاحبُ الصِّفة في المعنى خبراً فاعلَمْ أنَّ الغرضَ هناك غيرُ الغرض إذا كان اسمُ الفاعل أو الصفةُ خبراً كقولك : زيدٌ المنطلقُ .
واعْلَمْ أنه ربَّما اشْتَبَهتِ الصورةُ في بعضِ المسائل من هذا البابِ حتى يُظَنَّ أن