عِلماً وتصورَّتَه حقَّ تصورهِ فعليك صاحَبكَ واشدُدْ به يدَكَ فهو ضالَّتُك وعنده بُغْيَتُكَ وطريقُه طريق قولك : هل سمعتَ بالأسدِ وهل تعرفُ ما هو فإن كنت تعرفُه فزيدٌ هوَ هوَ بعينه .
ويزدادُ هذا المعنى ظهوراً بأن تكونَ الصفةُ التي تريدُ الإخبارَ بها عن المبتدأ مُجراةً على موصوفٍ كقولِ ابنِ الرومي - الطويل ٍ - : .
( هُوَ الرَّجُلُ المشْرُوكُ في جُلِّ مالِهِ ... ولكنَّهُ بالمَجْدِ والحَمَدِ مُفْرَدُ ) .
تقديرُه كأنه يقولُ للسامع : فكِّر في رجُلٍ لا يتميَّز عُفاتُه وجيرانُه ومعارفُه عنْهُ في مالِه وأخْذِ ما شاؤوا منه . فإذا حصَّلتَ صورتَه في نفسك فاعلمْ أنه ذلك الرجلُ . وهذا فنٌّ عجيبُ الشأن وله مكانٌ من الفَخامةِ والنُّبلِ وهو مِنْ سحرِ البيانِ الذي تقْصرُ العبارةُ عن تأديةِ حقِّه والمُعوَّلُ فيه على مراجعةِ النفسِ واستقصاءِ التأمُّل . فإذا علمتَ أنه لا يريدُ بقوله : الرجلُ المشروكُ في جُلِّ مالهِ أن يقول هو الذي بلغك حديثه وعرفت من حاله وقصته أنه يشرك في جل ماله على حدِّ قولك : هو الرجُل الذي بلغَك أنه أنفقَ كذا والذي وهبَ المئة المصطفاةَ من الإبل . ولا أنْ يقولَ إنه على معنى : " هو الكاملُ في هذه الصفة حتّى كأنَّ هاهنا أقواماً يُشْركون في جلِّ أموالهم إلاّ أنه في ذلك أكملُ وأتم " لأن ذلك لا يتُصوَّر . وذاك أن كَوْنَ الرجل بحيث يُشْرَكُ في جلِّ ماله ليس بمعنى يقعُ فيه تفاضُلٌ . كما أن بذلَ الرجل كلَّ ما يملك كذلك ولو قيلَ : الذي يُشْرَكُ في ماله جازَ أن يتفاوتَ . وإذا كان كذلك علمتَ أنه معنًى ثالثٌ وليس إلاّ ما أشرتَ إليه من أنه يقولُ َ للمخاطب : ضعْ في نفسِكَ معنى قولك " رجلٌ مشروك في جلِّ مالهِ " . ثم تأمْل فلاناً فإنك تَسْتملي هذه الصورةَ منه وتجدُه يؤدِّيها لك نصّاً ويأتيك بها كَمَلاً . وإن أردتَ أن تسمعَ في هذا المعنى ما تسكنُ النفسُ إليه سكونَ الصَّادي إلى بَرَدِ الماءِ فاسمعْ قوله - الطويل - : .
( أنَا الرَّجُلُ المّدْعُوُّ عاشِقَ فَقْرِهِ ... إذا لم تُكارِمْني صُروفُ زَمَاني )