على الأفضل بن أمير الجيوش وهو أمير على مصر فقلت السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد السلام على نحو ما سلمت ردا جميلا وأكرمنى إكراما جزيلا وأمرني بدخول مجلسه وأمرنى بالجلوس فيه فقلت أيها الملك إن الله تعالى قد أحلك محلا عليا شامخا وأنزلك منزلا شريفا باذخا وملكك طائفة من ملكه وأشركك في حكمه ولم يرض أن يكون أمر أحد فوق أمرك فلا ترض أن يكون أحد أولى بالشكر منك وليس الشكر باللسان وإنما هو بالفعال والإحسان قال الله تعالى اعملوا آل داود شكرا واعلم أن هذا الذي أصبحت فيه من الملك إنما صار إليك بموت من كان قبلك وهو خارج عنك بمثل ما صار إليك فاتق الله فيما خولك من هذه الأمة فان الله تعالى سائلك عن الفتيل والنقير والقطمير قال الله تعالى ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) وقال تعالى ( وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) واعلم أيها الملك أن الله تعالى قد آتى ملك الدنيا بحذافيرها سليمان بن داود عليه السلام فسخر له الإنس والجن والشياطين والطير والوحش والبهائم وسخر له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ثم رفع عنه حساب ذلك أجمع فقال له ( هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ) فو الله ما عدها نعمة كما عددتموها ولا حسبها كرامة كما حسبتموها بل خاف ان تكون استدراجا من الله تعالى ومكرا به فقال ( هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ) فافتح الباب وسهل الحجاب وانصر المظلوم وأغث الملهوف أعانك الله على نصر المظلوم وجعلك كهفا للملهوف وأمانا للخائف ثم أتممت المجلس بأن قلت قد جبت البلاد شرقا وغربا فما اخترت مملكة وارتحت إليها ولذت لي الاقامة فيها غير هذه المملكة ثم أنشدته