الجزيري محمد بن عبد الله أبو عبد الله الجزيري بالجيم والزاي والياء آخر الحروف وبعدها راء برع في العلم وطاف وسمت همته إلى أن يحيي سنة مهدي المغرب وزعم أن عبد المؤمن وبنيه غيروا سيرته فقام في قوم من البربر يعرفون بمزالة فخطبوا له واتبعوه ثم خافوا عاقبة ذلك لما طلب منهم فأشاروا عليه أن يختفي حتى يجد موضعاً يحميه فرجع إلى بلاد الجزيرة بالأندلس وأراد أن يظهر دعوته في جبال جزيرة الخضراء وخاطبهم في ذلك وانتسب إلى سعد بن عبادة Bه فقالوا : هذا يريدنا لأمر تذهب فيه أموالنا وأرواحنا ولو كلفنا سعد بن عبادة هذا لم نلتفت إليه فأيس منهم وصار إلى جهة بسطة فقعد في مسجد وأتاه أصحابه ببطيخ فجعلوا يأكلونه ويرمون قشوره في المسجد فقال لهم رجل كان هنالك : ما رأيت أبعد منكم عن مروءة الدنيا والدين ! .
قالوا : وكيف ذلك ؟ قال : أكلتم البطيخ وليس في المسجد غيري فلم تعرضوا علي فعلمت أنكم لؤماء ورأيتكم ترمون قشور البطيخ في بيت الله فعلمت أنكم مستخفون بحرمته فتردد فكري في أن تكونوا جهالاً أو زنادقة فقالوا له : لم يكن لك في الطعام نصيب فيلزمنا دعاؤك فأنت إذاً طفيلي وبيت الله لعباده كلهم وقشور البطيخ طاهرة فأنت إذاً فضولي فعلا الكلام بينهم وكثر الصخب وأنكرتهم العامة فرفعوهم إلى الوالي فبينا الوالي يكشف أحوالهم إذ وصله كتاب بأن الجزيري وأصحاباً له قد صاروا إلى جهتك فبث العيون عليهم واستقر مظان اختفايهم فلعل الله يظفرك بهم ويطهر منهم البلاد والعباد فقال الوالي : الله أكبر هذه حاجة أمير المؤمنين ثم قرأ : إن ينصركم الله فلا غالب لكم الآية وقال لهم : كيف رأيتم استخفافكم ببيت الله وسوء أدبكم معه ؟ وأنفذ بهم فضربت أعناقهم بعد ما كان الجزيري قد اشتهر أمره وعظم في النفوس قدره فاهتم بأمره بنو عبد المؤمن وجعلوا عليه العيون في جميع بلادهم وحصل في الأنفس منه أنه يتصور بصور الحيوانات المختلفة فكانت العوام يرجمون الكلاب والسنانير توهماً أنه تصور بصورة واحدة من تلك الحيوانات ومن شعره : .
في أم رأسي سر ... يبدو لكم بعد حين .
لأطلبن مرادي ... إن كان سعدي معيني .
أو لا فأكتب ممن ... سعى لإظهار دين .
ابن غطوس الناسخ محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن مفرج أبو عبد الله ابن غطوس بالغين المعجمة والطاء المهملة المشددة والواو الساكنة والسين المهملة على وزن سفود الأنصاري الأندلسي البلنسي الناسخ قال ابن الأبار : انفرد في وقته بالبراعة في كتابة المصاحف ونقطها يقال إنه كتب ألف مصحف ولم يزل الملوك والكبار ينافسون فيها إلى اليوم وقد كان آلى على نفسه ألا يكتب حرفاً إلا من القرآن وخلف أباه وأخاه في هذه الصناعة قلت : أخبرني من لفظه الشيخ الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن الصياد الفاسي بصفد سنة ست وعشرين وسبع ماية أنه كان له بيت فيه آلة النسخ والرقوق وغير ذلك لا يدخله أحد من أهله يدخله ويخلو بنفسه وربما قال لي إنه كان يضع المسك في الدواة وكان مصحفه لا يهديه إلا بمايتي دينار وإن إنساناً جاء إليه من بلد بعيد مسافة أربعين يوماً أو قال أكثر من ذلك وأخذ منه مصحفاً ولما كان بعد مدة فكر في أنه وضع نقطاً أو ضبطاً على بعض الحروف في غير موضعه وأنه سافر إلى تلك البلد وأتى إلى ذلك الرجل وطلب المصحف منه فتوهم أنه رجع في البيع فقال : قبضت الثمن مني وتفاصلنا فقال : لابد أن أراه فلما أتى به إليه حك ذلك الغلط وأصلحه وأعاده إلى صاحبه ورجع إلى بلده أو كما قال وقد رأيت أنا بخطه مصحفاً أو أكثر وهو شيء غريب من حسن الوضع ورعاية المرسوم ولكل ضبط لون من الألوان لا يخل به فاللازورد للشدات والجزمات واللك للضمات وللفتحات والكسرات والأخضر للهمزات المكسورة والأصفر للهمزات المفتوحة لا يخل بشيء من ذلك وليس فيه واو ولا ألف ولا حرف ولا كلمة في الحاشية ولا تخريجة وكأنه متى فسد معه شيء أبطل تلك القايمة توفى المذكور سنة عشر وست ماية وممن سلك هذه الطريق في المصاحف ابن خلدون البلنسي