قلت : وقد ذكرت في صدر الكتاب في الديباجية عندما سردت أسماء الكتب المصنفة في التواريخ جماعة ممن اختار كتاب الأغاني . وكان أبو الفرج من أصحاب الوزير أبي محمد المهلبي الخصيصين به وكان أبو الفرج وسخاً في نفسه ثم في ثوبه قذراً لم يكن يغسل دراعة يلبسها ولا تزال عليه أن تبلى . وكان له قط اسمه يقق مرض ذلك القط بقولنج فحقنه بيده وخرج ذلك الغائط على يديه وقد طرق الباب عليه بعض أصحابه الرؤساء فخرج إليهم وهو بتلك الحال لم يغسل يديه واعتذر إليهم بشغله عنهم بأمر القط . وكان يوماً على مائدة الوزير أبي محمد المهلبي فقدمت سكباجة فوافقت من أبي الفرج سعلة فبدر من فمه قطعة بلغم وقعت في وسط السكباجة فقال الوزير : إرفعوها وهاتوا من هذا اللون بعينه في غير هذه الغضارة . ولم يبن عنده ولا في وجهه إنكار ولا داخل أبا الفرج استحياء ولا انقباض .
وكان الوزير من الصلف على ما حكي عنه أنه كان إذا أراد أكل شيء بملعقة كالأرز واللبن وغير ذلك وقف من الجانب الأيمن غلام معه ثلاثون ملعقة زجاجاً مجروداً فيأخذ ملعقة ويأكل بها لقمة واحدة وناولها لغلام آخر وقف على يساره ثم يتناول ملعقة غيرها جديدة ويأكل بها لقمة واحدة ثم يدفعها إلى الغلام الذي على يساره حتى لا يدخل الملعقة في فمه مرة أخرى . وكان مع هذا الصلف والظرف والتجنب يصبر على مواكلة أبي الفرج ويحتمله لأدبه ومحادثته . ولما طال الأمر على الوزير صنع له مائدتين عامة وخاصة يدعو إلى الخاصة من يريد مواكلته .
وكان أبو الفرج أكولاُ نهماً فإذا ثقل الطعام على معدته تناول خمسة دراهم فلفلاً مدقوقاً ولا يؤذيه ولا تدمع منه عيناه . وكان لا يقدر أن يأكل حمصة واحدة ولا يأكل طعاماً فيه حمص وإذا أكل شيئاً منه سرى بدنه كله وبعد ساعة أو ساعتين يفصد وربما لذلك دفعتين . قال : ولم أدع طبيباً حاذقاً إلا سألته عن ذلك ولا يخبرني عن السبب ولا يعلم له دواء . فلما كان قبل فالجه ذهبت عنه العادة في الحمص فصار يأكله ولا يضره وبقيت عليه عادة الفلفل .
وكان يوماً هو والوزير المهلبي في مجلس شراب فسكر الوزير ولم يبق أحد من الندماء غير أبي الفرج فقال له : يا أبا الفرج أنا أعلم أنك تهجوني سراً فاهجني الساعة جهراً . فقال : الله الله أيها الوزير في إن كنت قد مللتني انقطعت وإن كنت تؤثر قتلي فبالسيف إذا شئت فقال : لا بد من ذلك فقال : .
لي أير بلولب .
فقال الوزير .
في حر أم المهلب .
هات مصراعاً آخر فقال : الطلاق يلزم الأصفهاني إن زاد على هذا .
وكان أبو القاسم الجهني المحتسب على فضله فاحش الكذب . كان في بعض الأيام في مجلس فيه أبو الفرج فجرى حديث النعنع وإلى أي حد يطول . فقال الجهني : في البلد الفلاني نعنع يتشجر حتى يعمل من خشبه السلاليم فاغتاظ أبو الفرج من ذلك وقال : نعم عجائب الدنيا كثيرة ولا يدفع هذا ولا يستبعد . وعندي ما هو أعجب من هذا وأغرب وهو زوج حمام راعبي يبيض في كل نيف وعشرين يوماً بيضتين فأنتزعهما من تحته وأضع مكانهما صنجة مائة وصنجة خمسين فإذا انتهت مدة الحضان تفقست الصنجتان عن طست وإبريق أو سطل وكرنيب . فعم أهل المجلس الضحك وفطن الجهني وانقبض عن كثير مما كان يحكيه .
ومن تصانيف أبي الفرج : كتاب الأغاني الكبير كتاب مجرد الأغاني كتاب التعديل والانتصاف في أخبار القبائل وأنسابها كتاب مقاتل الطالبيين كتاب أخبار الفتيان كتاب الإماء الشواعر كتاب المماليك الشعراء كتاب أدب الغرباء كتاب الديارات كتاب تفضيل ذي الحجة كتاب الأخبار والنوادر كتاب أدب السماع كتاب أخبار الطفيليين كتاب مجموع الأخبار والآراء كتاب الخمارين والخمارات كتاب الفرق والمعيار في الأوغاد والأحرار وهو رسالة عملها في هرون بن المنجم كتاب دعوة التجار كتاب أخبار جحظة البرمكي كتاب جمهرة النسب كتاب نسب بني عبد شمس كتاب نسب بني شيبان كتاب نسب المهالبة كتاب نسب بني تغلب كتاب الغلمان المغنين كتاب مناجيب الخصيان عمله للوزير المهلبي في خصيين كانا له مغنيين كتاب الحانات .
ومن شعره ما كتبه إلى الوزير المهلبي يشكو الفأر ويصف الهر : من الخفيف .
يا لحدب الظهور قعص الرقاب ... لدقاق الأنياب والأذناب