الخليفة أبو جعفر المنصور . أمه سلامة البربرية . ولد قريب سنة خمسٍ وتسعين . روى عن أبيه وروى عنه ابنه المهدي . وكان قبل الخلافة يقال له عبد الله الطويل وضرب في الآفاق إلى الجزيرة والعراق وإصبهان وفارس . قال أبو بكر الجعابي : كان المنصور في حياة أبيه يلقب بمدرك التراب . أتته البيعة بالخلافة بمكة وعهد إليه بالخلافة أخوه السفاح فولي اثنتين وعشرين سنة . وكان أسمر طويلاً نحيفاً خفيف العارضين معرق الوجه رحب الجبهة يخضب بالسواد كأن عينيه لسانان ناطقان تخالطه أبهة الملك بزي النساك تقبله القلوب وتتبعه العيون . وكان أقنى الأنف بين القنا . وكان من أفراد الدهر حزماً ورأياً ودهاءً وجبروتاً وكان مسيكاً حريصاً على جمع المال كان يلقب أبا الدوانيق لمحاسبته العمال والصناع على الدوانيق والحبات . وكان شجاعاً مهيباً تاركاً للهو واللعب كامل العقل قتل خلقاً كثيراً حتى ثبت الأمر له ولولده . وكان فيه عدلٌ وله حظ من صلاةٍ وتدينٍ وعلم وفقه نفسٍ . توفي محرماً على باب مكة في سادس ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة ودفن ما بين الحجون وبئر ميمون وكان فحل بني العباس وكان بليغاً فصيحاً . ولما مات خلف في بيوت الأموال تسع مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم . قال : رأيت كأني في الحرم وكأن رسول الله A في الكعبة وبابها مفتوحٌ فنادى منادٍ : أين عبد الله ؟ فقام أخي أبو العباس حتى صار على الدرجة فأدخل فما لبث أن خرج ومعه قناةٌ عليها لواءٌ أسود قدر أربعة أذرع ثم نودي : أين عبد الله ؟ فقمت إلى الدرجة فأصعدت فإذا رسول الله A وأبو بكر وعمر وبلال يعقد لي وأوصاني بأمته وعممني بعمامةٍ وكان كورها ثلاثة وعشرين وقال : خذها إليك أبا الخلفاء إلى يوم القيامة ! .
وعاش أربعاً وستين سنة وتوفي ببئر ميمون من أرض الحرم قبل التروية بيوم لثمانٍ خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة وكان يقول حين دخل في الثلاث وستين سنة : هذه تسميها العرب القتالة والحاصدة . كاتبه أبو أيوب سليمان المورياني وعبد الجبار بن عدي ثم أبان بن صدقة . نقش خاتمه : الحمد لله كله . وكان له من الأولاد محمد المهدي وجعفر الأكبر وجعفر الأصغر وإبراهيم وسليمان ويعقوب وصالح والقاسم وعلي وعبد العزيز والعباس هؤلاء الذكور وبناته العالية وعبيدة . ومن شعره قوله لما قتل أبا مسلم الخراساني : من السريع .
زعمت أن الدين لا يقتضى ... فاكتل بما كلت أبا مجرم .
وأشرب كؤوساً كنت تسقي بها ... أمر في الحلق من العلقم .
حتى متى تضمر بغضاً لنا ... وأنت في الناس بنا تنتمي .
ومنه : من الطويل .
فإني وهذا الأمر من حيث نلته ... لأعلم أن الشكر لله يعظم .
ترى نعمةً في الحاسدين وإنما ... هي المحنة العظمى لمن يتفهم .
الأحوص الشاعر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأحوص أبو عاصم وقيل أبو عثمان الأنصاري الشاعر . هو من ولد حمي الدبر الصحابي . نفاه عمر بن عبد العزيز إلى دهلك لكثرة هجائه وقيل : نفاه غيره . توفي في حدود العشر والمائة . قيل إنه وفد إلى الوليد بن عبد الملك فأمتدحه فأكرم نزله وأمر بمطبخه أن يمال عليه فراود وصيفاً للوليد على الفسق فبلغ ذلك الوليد فأرسله إلى ابن حزمٍ بالمدينة وأمره أن يجلده ويصب على رأسه الزيت فقال وهو على تلك الحال : من الكامل .
ما من مصيبة نكبةٍ أمنى بها ... إلا تشرفني وترفع شاني .
وتزول حين تزول عن متخمط ... تخشى بوادره على الأقران .
إني إذا خفي اللئام رأيتني ... كالشمس لا تخفى بكل مكانٍ .
وقال يهجو ابن حزمٍ : من البسيط .
أهوى أمية إن شطت وإن قربت ... يوماً وأهدي لها نصحي وأشعاري .
ولو وردت عليها القيظ ما حفلت ... ولا سقت عطشي من مائها الجاري .
لا تأوين لحزمي رأيت به ... ضراً ولو طرح الحزمي في النار .
الناخسون بمروانٍ بذي خشبٍ ... والداخلون على عثمان في الدار