وقد تمثل المملوك هذا البيت دون غيره من الأمثال لأنه أنسب بمولانا وأقرب وتخيل ما يعهده من توهم مولانا فلم يقل يلدغ ويصي كالعقرب على أن المملوك أحق بهذه المعاتبة وأليق بأن يصدر عنه مثل تلك المكاتبة وإذ قد بفتح هذا الباب ونوقش في مثل هذا الحساب فاسكب دموعك يا غمام ونسكب نظهر ما في زوايا الجوانح من الخبايا ونتبع ما في القلب إن كان حب مولانا ترك منها بقايا وإن كان مولانا حمل البريد هذه البطاقة فعند المملوك ما يعجز عن حمله المطايا هيهات ما هذا مقام يحصل فيه الصفا ولو كان هذا موضع العتب لاشتفى .
فما يقوم لأهل الحب بتينة ... على بياض صباح أو سواد دجا .
وإن شئت ألقينا التفاضل بيننا ... وقلنا جميلاً واقتصرنا على الود .
استطرد المملوك بهذا الفصل وهو قبيح بصدق ولاية ونكتة سواد كأنها الخال لكنها ما تليق بوجنة صافئه ولكن الود إذا ما صفا لم يتحمل معه الضمير أذى ولم تغمض الجفون منه على قذى .
ما ناصحتك خبايا الود من رجل ... ما لم ينلك بمكروه من العذل .
محبتي فيك تأبى إن تسامحني ... بأن أراك على شيء من الزلل .
وإن اتفق اقتراب فلكل سؤال جواب ومن كل جرم متاب ولكل صغيرة وكبيرة مناقشة وحساب ولكل ظمأ إما سقيا رحمة أو سقيا عذاب .
وإن ظفرت بنا أيدي المنايا ... فكم من حسرة تحت التراب .
وقد اشتغل المملوك بهذا الفصل ولو وفق في هذه الخدمة قطع منها هذا الوصل وجرى على عادته في الأغضاء وطلب النصر بالبصر لا بالنصل .
فالعمر أقصر مدة ... من أن يضيع بالعتاب .
ويستغفر الله المملوك من هذا على أن مولانا عود المملوك بالاحتمال إذا آذى ويرجع إلى وصف مثال مولانا فيقول أنه الحديقة والروض الذي جمع الأزاهر إلا أنه عدم شقيقه والفضل الذي صدر عن أمثل الناس طريقه والقادم الذي كأنه ولد جاء بعد اليأس وأن عملت له الدموع عقيقة .
والله ما فتنت عيني محاسنه ... إلا وقد سحرت ألفاظه أذني .
فمتع الله الوجود بكلم مولانا التي هي عوذة من الغير وجمال الكتب والسير ولا أخلى الله من فوائده ولا قطع ما أجراه على المملوك من عوائده وقد بلغ المملوك سلامه وجبره مملوكه الأخ فدعا وابتهل وشب جمر شوقه إلى رؤيته بعدما اكتهل وقال لا بد من العود إلى جنابه إن كان في العمر مهل وإما الإشارة الكريمة في أمر من ذكره مولانا وأنه تعين وتمكن وتبين والنادرة اللائقة بذلك المقام فيقول المملوك أنه ما عامل كما عومل ولا قابل كما قوبل بل ادكر ركود الدهر وهباته وعمل بقول الحيص بيص في أبياته بعد أن كبا سريعاً وخر للفم واليدين صريعاً .
فعففت عن أثوابه ولو إنني ... كنت المقطر بزين أثوابي .
ثم الجواب وكتب إلي في وقت .
دمت للآداب تنشي رسمها ... بيراع خطوه خطو فسيح .
ليت شعري أنت يا باعثها ... بعدما ماتت خليل أم مسيح .
فأجبت بقولي : .
اختلفنا لبديع النظم في ... كل ما تهديه من لفظ فصيح .
قال غير هو زهر قال لا ... قلت زهر قال لي هذا الصحيح .
وكتب إلي يطلب مني عارية كتاب التشبيهات لابن ظافر : .
لفظ ابن ظافر قد ظفرت به ... وفؤاد حبي منه غير خلي .
فبأحمد وهو الشفيع لنا ... أمتع أبا بكر بلفظ علي .
وينهى أنه يحب لفظ على وتثقيله يزيد ومنن مولانا المعهودة لا يثقل عليها أن تفيء وتفيد وقد سمع بكتاب المشار إليه وسؤاله مشاهدة ذلك المحبوب وعارية هذا الكتاب مدة ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب .
فاشتغلت عن تجهيزه بالحمى ثم أنني جهزته وكتبت معه .
العبد مجبول الطباع على ... ما تشهي في القول والعمل .
ومع التوالي في ودادك لم ... أمنع أبا بكر كلام علي .
فكتب إلي قبل وصوله إليه : .
عذيري منه معرضاً متجنباً ... كأني له نحو الوداد أجاذب .
قسا فوق ما تعتو الجبال فلم يجب ... نداي وأصداء الجبال تجاوب .
فكتبت الجواب عن ذلك : .
عذيري من مولى يرى العذر وافراً ... بسيطاً وما إقباله متقارب