فبادرها المملوك لبنائها متعرفاً وبارجها متعرفاً وبولائيها متمسكاً وبثنائها متمسكاً شوقاً إليها لا يبيد ولو عمر عمر لبيد واقفاً على آمال اللقاء وقوف غيلان بدار مية عاكفاً على أرجاء الرجاء عكوف توبة على ليلى الأخيلية والله يتولاه في حالتيه ظاعناً ومقيماً ويجعل السعد له حيث حل خدينا والنجح خديماً بمنه وكرمه .
فكتبت الجواب إليه C تعالى : .
تنوح حمامات اللوى فأجيب ... ويحضر عندي عائدي فأغيب .
وقد مل فرش السقم طول تقلقي ... عليه بجنبي إذ تهب جنوب .
ولما بكت عيني نواك تعلمت ... دموع السحاب الغر كيف تصوب .
أيا برق إن حاكت قلبي فلم يكن ... لنارك مع هذا الخفوق لهيب .
ويا غيث إن ساجلت دمعي فإنه ... يفوتك مع ذا آنة ونحيب .
ويا غصن إن هزت معاطفك الصبا ... فما لك قلب بالغرام يذوب .
إذا جف جفني ذاب قلبي أدمعاً ... فلله قلب عاد وهو قليب .
أبيت بجفن ليس يعرف ما الكرى ... وأي حياة بالسهاد تطيب .
وقلب إذا ما قر عادته لوعة ... فيعروه من بعد القرار وجيب .
إلا أن دهراً قد رماني بصرفه ... لدهر إذا فكرت فيه عجيب .
ويكفي بأني بين أهلي ومعشري ... وصحبي لبعدي عن حماك غريب .
وينهى ورود المثال الذي تصدق به منعماً وأهداه خميلة فكم شفى زهرها المنعم من عمى وبعثه قلادة فكم أزال درها المنظم من ظما وإقامة حجة على أن من أرسله يكون في الإحسان مالكاً ومتمماً فبللت برؤيته غلة الظماء البرح وعاينت ما شاده من بنيان البيان فقلت لبلقيس عيني ادخل بالصرح وقمت من حقوقه الواجبة علي بما يطول فيه الشرح وتلقيته بالضم إلى قلب لا يجبر منه الكسر غير الفتح واسمت ناظري من طرسه في الروض الأنف وقسمت حليه على أعضائي فللجيد القلائد وللفرق التيجان وللأذن الشنف ووردت منهه الصافي والتحفت ظله الضافي واجتليت من وجهه بشراً قابله الشكر بالقلم الحافي وعكفت منه على كعبة الفضل فلله ما نشر في استلامي وطوى في طوافي وكلفت قلبي الطائر واباً فلم تقو القوادم وظهر الخوى في الخوافي وقلت هذا الفن الفذ الذي ما له ضريب وهذا وصل الحبيب البعيد قد نلته برغم الرقيب القريب .
فيا عيني بيتا في اعتناق ... ويا نومي قدمت على السلامة .
وأقسم أن البيان ما نكب عما دبجه مولانا ونكت ولا أجراه الله على لسانه إلا لما سكت البلغاء وبكت ولا آتاه هذه النقود المطبوعة إلا وقد خلصت القلوب من رق غيره وفكت ولا وهبه الله هذه الكلم الجوامع إلا أن الأوائل أحسوا بطول رسائلهم فقطعوها من حيث رقت والصحيح ركت فما كل كاتب يجه فم ولسانه فيه قلم ولا كل متكلم حسن بيانه تأتم الهداة به كأنه علم ولا كل بيلغ إذا خاطب الأولى كلا وإذا كلم العدو كلم لأن مولانا حرسه الله تعالى لا يتكلف إذا أنشأ ولا يتخلف إذا وشى والسجع عنده أهون من النفس الذي يردده وأخف والدر الذي يقذفه من رأس قلعه أكبر من الدر الذي في قعر البحر وأشف وإذا راض قلمه روض الطروس من وقته وإذا أفاض كلمه فوض البيان إليها أمر مقته ومقته وما كلمه إلا بحر والقوافي أمواج وما قلمه إلا ملك البلاغة فإذا امتضى يده ركضت به من الطروس على حلل الديباج فلهذا أخملت رسائله الخمائل وتعلمت منه الصبا لطف الشمائل وأخذت بآفاق البلاغة فلها أقمارها الطوالع ولغيرها نجومها الأوافل وانتقت أعالي الفضائل وتركت للناس فضالات الأسافل .
وهذا الحق ليس به خفاء ... فدعني من بنيات الطريق .
فأما دره الذي خلطه الجناس وخرطه في ذلك السلك فما أحقه وأولاه بقول ابن سناء الملك : .
فذا السجع ليس في النثر مثله ... وهذا جناس ليس يحسنه الشعر