يا معشر العشاق هذا أنتم ... وحبيبكم والليل داجي الغيهب .
قوموا انظروا وتمتّعوا بجماله ... وتأملو فجماله لم يحجب .
وتزوّدوا قبل الرحيل فإنّه ... لم يبق غير هنيهةٍ لم تذهب .
قرب الفراق فليته لم يقترب ... منّا وليت مطيّه لم تقرب .
أيام عمري ما أقمت بطيبةٍ ... اما سواه فإنني لم أحسب .
ليت الزمان يدوم لي بوصالها ... أو لم يجد فبطيفها المتأوّب .
ومن شعره : .
شادنٌ جدّد وجدي بعد ما ... صرت شيخاً ليس ترضاني العجوز .
قلت : جاوز لي متاعي قال : قل ... غير هذا ذاك شيءٌ لا يجوز .
وقال : .
شربت مع غادةٍ عجوز طلاً ... فاستصحبت بعد منعها العاده .
ليّنها السكر لي فحينئذٍ ... سلّمت أنّ العجوز قوّاده .
وقال : .
سل شجيّاً عن فؤادٍ نزحا ... وخليّاً فيهم كيف صحا .
ومحبّاً لم يذق بعدهم ... غير تبريحٍ بهم ما برحا .
مزج الدمع بذكراه لهم ... مثل خدّي من سقاه القدحا .
زاره الطيف وهذا عجب ... شبحٌ كيف يلاقي شبحا .
وقال : .
أأحبابنا والعذر منّا إليكم ... إذا ما شغلنا بالنوى أن نودّعا .
أبثّكم شوقاً أباري ببعضه ... حمام العابا رنّةً وتوجّعا .
أبيت سمير البرق قلبي مثله ... أقضّي به الليل التمام مروّعا .
وما هو شوق مدةً ثم تنقضي ... ولا أنه يبكي محباً مفجّعا .
ولكنه شوق على القرب والنوى ... أغصّ المآقي مدمعاً ثم مدمعا .
ومن فارق الأحباب في العمر ساعة ... كمن فارق الأحباب في العمر أجمعا .
وقال : .
لا تسل بعد بينهم ما جرى لي ... من دموعٍ كأنهن الآلي .
خففت وطأة الغرام ولكن ... عرفت في الجفون طيف الخيال .
وقال : .
يقول لي من شعره أسود ... كالليل بل بينهما فرق .
قلت وبي من وجهه أبيض ... فقال لي : هذا هو الحقّ .
وقال : .
وحقّ الذي أبلى فؤادي بحبكم ... وصيّر قلبي فيكم هائماً صبّا .
محبكم المضنى على ما عهدتم ... ولم يجن فعلاً في الفراق ولا ذنبا .
ولكنّها الأقدار تجري على الفتى ... وتحمل فيها من أحبّته عتبا .
أأحبابنا أنتم بقلبي وناظري ... لذلك لا أشكو بعاداً ولا قربا .
والظاهر أن مولده سنة إحدى وسبعمائة أو سنة سبعمائة . ولّما وقع الطاعون بدمشق سنة تسع وأربعين وسبعمائة قلق وهمع وزمع وتطاير كثيراً وراعى القواعد الطبية وانجمع عن الناس وانعزل وعزم على الحج واشترى الجمال وبعض الآلات . ثم إنّه بطل ذلك وتوجه بزوجته ابنة عمه إلى القدس الشريف وولديه وصاموا هناك رمضان فماتت زوجته هناك ودفنها بالقدس في شهر رمضان . وحضر إلى دمشق وهو طائر العقل فيوم وصوله برد وحصل له حمّى ربع وأضعفته إلى أن بحرنت بصرع . وتوفي C وسامحه يوم عرفة سنة تسع وأربعين وسبعمائة ودفن عند والده وأخيه بدر الدين محمد بالصالحية .
وكتبت أنا إلى أخيه القاضي علاء الدين أعزيه فيه بكتاب هذا نسخته : يقبل الأرض وينهي ما عنده من الألم الذي برّح والسقم الذي جرّ ذيول الدمع على الخدود وجرّح لما قدّره الله من وفاة القاضي شهاب الدين سقته بألطف أندائها وأغزرها ساريات الغمام ف " إنّا لله وإنّا إليه راجعون " قول من غاب شهابه وآب التهابه وذاب قلبه فصار للدمع قليبا وشاب فوده لّما شبّ جمر فؤاده ولا غرو فيومه جعل الولدان شيبا فيا أسفا على ذلك الوجه المليء بالملاحة واللسان الذي طالما سحر العقول ببيانه فصاحت يا ملك الفصاحة واليد التي كم روّضت الطروس أقلامها وأنشأت أسجاعاً لم تذكر معها بانات الحمى ولا حمامها فكأن أبا الطيب ما عنى سواه بقوله : .
تعثّرت بك في الأفواه ألسنها ... والبرد في الطرق والأقلام في الكتب