@ 45 @ .
وهل يصح الإيثار من كل إنسان ولو كان ذا عيال أو تلزمه نفقة غيره أم لا ؟ وما علاقته مع قوله : { وَيَسْألُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ } ؟ . .
والجواب على هذا كله في كلام الشيخ رحمه الله على قوله تعالى : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } في أول سورة البقرة . .
قال رحمه الله : قوله تعالى : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } ، عبر في هذه الآية الكريمة بمن التبعيضية الدالة على أنه ينفق لوجه الله بعض ما له كله ، ولم يبين هنا القدر الَّذي ينبغي إنفاقه ، والذي ينبغي إمساكه ، ولكنه بين في مواضع أخرى أن القدر الذي ينبغي إنفاقه هو الزائد على الحاجة ، وسد الخلَّة التي لا بد منها ، وذلك كقوله : { وَيَسْألُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ } ، والمراد بالعفو الزائد على قدر الحاجة التي لا بد منها على أصح التفسيرات ، وهو مذهب الجمهور ومنه قوله تعالى : { حَتَّى عَفَواْ } أي كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم . .
وقال بعض العلماء : العفو نقيض الجهد ، وهو أن ينفق ما لا يبلغ إنفاقه منه الجهد واستفراغ الوسع . .
ومنه قول الشاعر : ومنه قول الشاعر : % ( خذي العفو مني تستديمي مودتي % ولا تنطقي في سورتي حين أغضب ) % .
وهذا القول راجع إلى ما ذكرنا ، وبقية الأقوال ضعيفة ، وقوله تعالى : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ } ، فنهاه عن البخل بقوله : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ } ، ونهاه عن الإسراف بقوله : { وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ } ، فيتعين الوسط بين الأمرين ، كما بينه بقوله : { وَالَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } . .
فيجب على المنفق أن يفرق بين الجود والتبذير وبين البخل والإقتار ، فالجود غير التبذير ، والاقتصاد غير البخل فالمنع في محل الإعطاء مذموم ، وقد نهى الله عنه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : ( ولا تجعَلْ يَدكَ مَغلولةً إلى عُنُقك ) ، والإعطاء في محل المنع مذموم أيضاً ، وقد نهى الله عنه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : ( ولا تبسطها كل البسط ) .