@ 83 @ { الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَواةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } . .
فهذه الآيات قد أوضحت أن الحكمة في خلقه السماوات والأرض ، وجميع ما على الأرض ، والموت والحياة ، هي أن يدعوهم على ألسنة رسله ويبتليهم ، أي : أن يختبرهم أيّهم أحسن عملاً . .
وهذه الآيات تبيّن معنى قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } . .
وفي هذه الآيات إيضاح لأن معنى قوله : { لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ } ، أي : دعاؤه إياكم على ألسنة رسله ، وابتلاؤكم أيّكم أحسن عملاً ، وعلى هذا فلا إشكال في قوله : { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } ، أي : { مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ * لَوْلاَ } دعاؤه إياكم ، أي : وقد دعاكم فكذبتم ، وهذا القول هو وحده الذي لا إشكال فيه ، فهو قويّ بدلالة الآيات المذكورة عليه . .
وأمّا القول بأن معنى : { لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ } ، أي : إخلاصكم الدعاء له أيّها الكفار عند الشدائد والكروب ، فقد دلَّت على معناه آيات كثيرة ؛ كقوله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الْفُلْكِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ } ، وقوله تعالى : { جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ } . .
وقد أوضحنا الآيات الدالَّة على هذا المعنى في سورة ( بني إسرائيل ) ، في الكلام على قوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِى الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ } ، وهذا القول وإن دلّت عليه آيات كثيرة ، فلا يظهر كونه هو معنى آية ( الفرقان ) هذه . .
وأمّا على القول بأن المعنى : ما يصنع بعذابكم ، { لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ } معه آلهة أخرى ؛ فقد دلَّ على معناه قوله تعالى : { مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ } . .
والقول الأوّل الذي هو أشهر الأقوال وأكثرها قائلاً ، وهو أن المعنى : { لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ } ، أي : عبادتكم له وحده ، قد دلَّ عليه جميع الآيات الدالَّة على ما يعطيه اللَّه لمن أطاعه ، وما أعدّه لمن عصاه ، وكثرتها معلومة لا خفاء بها . .
واعلم أن لفظة { مَا } ، في قوله : { قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى } ، قال بعض أهل