وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

مبحث قبول توبة القاذف .
الحنفية قالوا : لا تقبل شهادة المحدود في قذف وإن تاب توبة صادقة وحسنت توبته لقوله تعالى : { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } ولأن رد شهادته من تمام الحد لكونه مانعا فقى بعد التوبة كأصله بخلاف المردود في غير القذف لأن الرد للفسق وقد ارتفع بالتوبة .
وأصله : أن الاستثناء إذا تعقب جملا متعاطفة هل ينصرف إلى الكل أو إلى الجملة الأخيرة ؟ .
فالحنفية قالوا : إن الاستثناء ينصرف إلى الجملة الأخيرة فقط وقد تقدم في الآية ثلاث جمل هي قوله تعالى : { فاجلدوهم } وقوله { ولاتقبلوا لهم شهادة أبدا } وقوله تعالى { وأولئك هم الفاسقون } والظاهر من عظف { ولاتقبلوا } أنه داخل في حيز الحد للعطف مع المناسبة وقيد التأبيد أما المناسبة : فإن رد شهادته مؤلم لقلبه مسبب عن فعل لسانه كما أن آلم قلب المقذوف بسبب فعل لسانه وكذا قيد التأبيد لا فائدة له إلا بأبيد الرج وإلا لقال : ولا تقبلوا لهم شهادة { وأولئك هم الفاسقون } جملة مستأنفة لبيان تعليل عدم القبول ثم استثنى الذين تابوا وهذا لأن الرد على ذلك التقدير ليس إلا للفسق ويرتفع بالتوبة فلا معنى للتأبيد على تقدير القبول بالتوبة .
وهو استثناء منقطع لأن التائبين ليسوا داخلين في الفاسقين فكأنه قيل : وأولئك هم الفاسقون لكن الذين تابوا فإن الله غفور رحيم أي يغفر لهم ويرحمهم وإذا كان الرد من تمام الحد لكونه مانعاص أي زاجرا يبقى بعد التوبة كأصله أي كأصل الحد فإنه لا يسقط بالتوبة فإن من تاب بعد ثبوت الحد عليه لا يسقط عنه بل يجب أن يحد مهما حسنت توبته بالإجماع واحتج الحنفية على أن حكم الاستثناء مختص بالجملة الأخيرة بوجوه .
( أحدها ) أن الاستثناء من الاستثناء يختص بالجملة الآخيرة فكذا في جميع الصور طردا للباب .
( ثانيها ) أن المقتضى لعموم الجمل المتقدمة قائم والمعارض وهة الاستثناء يكفي في تصحيحه تعليقه بجملة واحدة وهي الأخيرة فقط .
( ثالثها ) أن الاستثناء لو رجع إلى كل الجمل المتقدمة لوجب أنه إذا تاب أن لا يجلد وهذا باطل بالإجماع فوجب أن يختص الاستثناء بلجملة الأخيرة .
واحتج الأحناف على مذهبهم في المسألة بوجوه من الأخبار والأحاديث الشريفة .
( أحدها ) ما روى أبن عباس Bهما في قصة هلال بن أمية حين قذف امرأته بشريك بن سحماء فقال رسول الله A : ( يجلد هلال وتطل شهادته في المسلمين ) فأخبر رسول الله A أن وقوع الجلد به يبطل شهادته عن غير شرط التوبة في قبولها .
( وثانيها ) أن قوله عليه السلام ( المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدود في قذف ) ولم يشترط فيه وجود التوبة منه .
( وثالثها ) ما روى عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عن رسول الله A قال : ( لا تجوز شهادة محدود في الإسلام ) .
المالكية والحنابلة والشافعية - قالوا : تقبل شهادة المحدود في قذف إذا تاب وحسنت توبته والمراد بتوبته الموجبة لقبول شهادته أن يكذب نفسه في قذف . وهل يعتبر فيه إصلاح العمل أم لا ؟ .
وقول يتعتبر لقوله تعالى { إلا الذين تابوا } وقيل : لا . لأن عمر بن الخطاب Bه قال لابي بكرة : تب أقبل شهادتك .
وقد احتجوا على مذهبهم بأن شهادة المحدود في قذف مقبولة بوجوه : .
( أحدها ) قوله E : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) ومن لا ذنب له مقبول الشهادة فالتائب يجب أن يكون أيضا مقبول الشهادة .
( وثانيها ) أن الكافر يقذف فيتوب عن الكفر ويدخل الإيمان فتقبل شهادته بالإجماع فالقاذف المسلم إذا تاب عن القذف وجب أن تقبل شهادته لأن القذف مع الإسلام أهون حالا من القذف مع الكفر فإن قيل : المسلمون لا يألمون بسبب الكفار لأنهم شهروا بعداوتهم والطعن فيهم بالباطل فلا يلحق المقذوف بقذف الكافر من الشين والشنأن وأيضا فالتائب من الكفر لا يجب عليه الحد والتائب من القذف لا يسقط عنه الحد .
قلنا : هذا الفرق ملغى بقوله E ( أنبئهم أن لهم ما للمسلمين عليهم ما على المسلمين ) .
( وثالثها ) أجمعنا على أن التائب عن الكفر والقتل والزنا والشرب والسرقة مقبول الشهادة . فكذا التائب عن القذف لأن هذه الكبيرة ليست أكبر من نفس الزنا . ( ورابعها ) أن ابا حنيفة C تعالى يقبل شهادته إذا تاب قبل إقامة الحد عليه مع أن الحد حق المقذوف فلا يزول بالتوبة فلأن تقبل شهادته إذا تاب بعد إقامة الحد عليه . وقد حسنت حالته وزال اسم الفسق عنه كان أولى .
( وخامسها ) أن قوله تعالى { إلا الذين تابوا } استثناء مذكور عقيب جمل فوجب عوده إليها كلها ويدل عليه أمور .
( أحدها ) أجمعنا على أنه لو قال : عبده حر وامرأته طالق إن شاء الله فإنه يرجع الاستثناء إلى الجميع فكذا فيما نحن فيه .
( وثانيها ) أن الواو للجمع المطلق فقوله تعالى { فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا وأولئك هم الفاسقون } صار الجمع كأنه ذكر معا لا تقدم للبعض على البعض فلما دخل عليه الاستثناء لم يكن رجوع الاستثناء إلى بعضها اولى من رجوعه إلى الباقي إذ لم يكن لبعضها على بعض تقدم في المعنى البتة فوجب رجوعه إلى الكل ونظيره على قول أبي حنيفة C قوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } فإن فاء التعقيب ما دخلت على غسل الوجه بل على مجموع هذه الأمور من حيث أن الواو لاتفيد الترتيب فكذا ههنا كلمة إلا ما دخلت على واحد بعينه لأن حرف الواو لا يفيد الترتيبن بل دخلت على المجموع .
( وثالثها ) أن قوله تعالى : { وأولئك هم الفاسقون } عقيب قوله تعالى : { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا يدل على أن العلة في عدم قبول تلك الشهادة كونه فاسقا لات ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية لا سيما إذا كان الوصف مناسبا وكونه فاسقا يناسب ألا يكون مقبول الشهادة إذا ثبت أن العلة لرد الشهادة ليست إلا كونه فاسقا ودل الاستثناء على زوال الفسق فقد زالت العلمة فوجب أن يزول الحكم لزوال العلة .
( ورابعها ) أن مثل هذا الاستثناء موجود في القرآن الكريم قال الله تعالى : { إنما جزاء الذين يحربون الله ورسوله } إلى قوله تعالى : { إلا الذين تابوا } ولا خلاف أن هذا الاستثناء إلى ما تقدم من أول الاية وأن التوبة حاصلة لهؤلاء جميعا .
وكذلك قوله تعالى : { لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى } إلى قوله تعالى : { فم تجدوا ماء فتيمموا } وصار التيمم لمن وجب عليه الاغتسال كما أنه مشروع لمن وجب عليه الوضوء . والله تعالى أعلم .
كيفية التوبة عن القذف . الشافعية - قالوا : إن التوبة عن القذف تكون بإكذابه نفسه واختلف أصحابه في معناه . فقال بعضهم : يقول كذبت قيما قلتت فلا أعود لمثله وقال أو إسحاق : لا يقول كذبت لأنه ربما يكون صادقا فيكون قوله كذبت كذبا والكذب معصية والإتيان بالمعصية لا يكون توبة عن معصية اخرى وإنما يقول القاذف بالملأ ندمتم على ما قلت ورجعت عنه ولا أعود إليه وأما قوله تعالى : { فإن الله غفور رحيم } فالمعنى أنه لكونه غفورا رحيما يقبل التوبة وهذا يدل على أن قبول التوبة غير واجب عقلا إذ لو كان واجبا لما كان في قبول غفورا رحيما لأنه إذا كان واجبا فإنما يقبله خوفا وقهرا لعلمه بأنه لو لم يقبله لصار سفيها ولخرج عن حد الإلهية )