وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

كتاب الأشربة .
الأشربة جمع شراب بمعنى مشروب - والشروب هو المولع بالشراب المدمن عليه . وشربها من كبائر المحرمات . بل هي أم الكبائر كما قال سيدنا عمر للخطاب . وسيدنا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهما وكان تحريمها في السنة الثانية من الهجرة بعد غزوة أحد .
والأصل في تحريمها كما ذكره المفسرون : نزل في الخمر أربع آيات نزل بمكة قوله تعالى . { ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا } فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال ثم إن سيدنا عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل ونفرا من الصحابة قالوا : يا رسول الله أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل ومسلبة للمال . فنزل قوله تعالى : { ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } الآية . فشربها قوم وتركها آخرون . ثم دعا عبد الرحمن بن عوف جماعة فشربوا وسكروا فقام بعضهم يصلي فقرأ : { قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون } فنزل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } فقل من يشربها . ثم دعا عثمان بن عفان مالك جماعة من الأنصار فلما سكروا منها تخاصموا وتضاربوا فقال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزل قوله تعالى : { إنما الخمر والميسر } إلى قوله تعالى : { فهل أنتم منتهون } فقال عنمر : انتهينا يا رب .
والحكمة في تحريم الخمر على هذا الترتيب أن الله تعالى علو أن القوم ألفوا شرب الخمر وكان انتفاعهم بذلك كثيرا فعلم أنه لو منعهم دفعة واحدة لشق ذلك عليهم فكان من الحكمة أن يحرمها بالتدريج والرفق .
وذكر بعض العلماء أن آية البقرة تدل على تحريم الخمر من ثلاثة وجوه .
الأول : أن ىلآية دالة على أن الخمر مشتملة على الإثم والإثم حرام لقوله تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق } فكان مجموع هاتين الآيتين دليلا على تحريم الخمر .
الثاني : أن الإثم قد يراد به العقاب وقد يراد ما يستحق به العقاب من الذنوب وأيهما كان فلا يصح أن يوصف به إلا المحرم .
الثالث : أنه تعالى قال : { وإثمهما أكبرمن نفعهما } صرح برجحان الإثم والعقاب وذلك يوجب التحريم .
والخمر من أفحش الذنوب . وأعظمها خطرا على المجتمع الإنساني كله بذبك حرمها الشارع وشدد في تحريمها وأنزل فيها عدة أحكام عالج فيها حالة العرب التي كانت تدمن الخمر وتعدها من علامات الشهامة والمروءة ثم أنزل فيها آية التحريم { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } فوصف الله تعالى الخمر بأنه رجس : أي قذر تنفر منه العقول السليمة وهو لفظ يدل على منها القبح والخبث والميسر هو قمارهم في الجذور والأنصاب هي ألهتهم التي يعبدونها والأزلام سهام مكتوب عليها شر وخير وقد قرن الله تعالى الخمر بالميسر والأنصاب والأزلام وهي من أعمال الوثنية والشرك فكأنه قريب من هذه المنكرات وقد وصف الله هذه الأقسام الأربعة بوصفين : الأول قوله { رجس } وهو كل ما استقذر من عمل والثاني قوله { من عمل الشيطان } وه مكمل لكونه رجسا لأن الشيطان نجس خبيث لأنه كافر { إنما المشركون نجس } والخبيث لا يدعوا إلا إلى خبيث .
وقد روى ابن ماجة عن ابي هريرة Bه أن رسول الله A قال : ( مدمن الخمر كعابد وثن ) . وقال A : ( من شرب الخمر خرج نور الإيمان من جوفه ) . وجعلها الله تعالى وأخواتها من عمل الشيطان لما ينشأ عنها من الشرور والأضرار وما يترتب عليها من الكبائر والمصائب وكل ما أضيف إلى الشيطان فالمراد به المبالغة في كمال قبحه قال تعالى : { فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان } بل وصف الرسول الله A الخمر بأنها أم الخبائث فقال A : ( الخمر أم الخبائث ) .
وروى الطبراني في الكبير من حديث بن عمر Bهما ( الخمر أم الخبائث وأكبر الكبائر ومن شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على أمه وعمته ) .
وقد جعل الله تعالى النهي عنها بلفظ الإجتناب فقال { فاجتنبوه } أي كونوا جانبا منه وهو أبلغ من لفظ التحريم والترك لأنه يفيد الأمر بأن يكون التارك في جانب بعيد عن الشيء لخطورته وفظاعته أي ابتعدوا عنه وخذوا حذركم منه فليعتبر أولئك الفسقة الذين يقولون : إنما الخمر لم ينزل فيها نهي في القرآن أي لم يصرح القرآن بأنها حرام والحق أنه نهى عنها بأبلغ عبارة التحريم ثم جعل الله تعالى اجتنابها والبعد عنها يوصل للفلاح ويقرب إلى الفوز والسعادة الدنيوية والآخروية فقال تعالى { لعلكم تفلحون } وفيه إشارة أن شربها يقرب من الخسران والخيبة وفساد الدين والدنيا معا وضياع الصحة والعقل والمال .
ولما أمر الله تعالى باجتناب هذه الموبقات الأربع ذكر نوعين من أكبر المفاسد الخطرة في الخمر والميسر الأول : ما يتعلق بالدنيا وهو قوله تعالى : { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر } أما في الخمر فلأن الغالب أن من يقبل على شرب الخمر إنما يشربها مع أصحابه ويكون قصده من ذلك الشرب أن يستأنس برفقائه ويسر بمحادثتهم ومكالمتهم فأن غرضه من ذلك الإجتماع تأكيد الإلفة والمحبة إلا أنه ينقلب في كثير من الأحيان إلى ضد مقصوده لأن الخمر يزيل العقل وإذا ذهب العقل استولت الشهوة والغضب من غير مدافعة العقل وعند استيلائهما تحصل المنازعة والمشاحنة بين المجتمعين وربما أدت إلى الضرب والقتل والمشافهة بالفحش وذلك يورث أشد العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع الواحد والميسر يجر صاحبه إلى الفقر والمسكنة حتى يصل به الحال أن يقامر على جسده وأهله وولده بعد فقدان ماله فيصير من أعدى الأعداء لأولئك الذين كانوا يلاعبونه .
فظهر أن الخمر والميسر سببان عظيمان في إثارة العداوة والبغضاء بين الناس وتقطيع أوصال المجتمع ولاشك أن العداوة والبغضاء تفضي إلى أحوال مذمومة من الهرج والمرج والفتن وفساد المجتمع الإنساني كله .
النوع الثاني - المفاسد المتعلقة بالدين وإليه الإشارة بقوله D { ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة } وهما روح الدين وعماده .
أما أن الخمر تمنع عن ذكر الله فظاهر لأن شرب الخمر يورث الطرب واللذة الجسمانية والنفس إذا استغرقت في الملذات غفلت عن ذكر الله تعالى وأعرضت عن طاعته D .
وأما الميسر فلأن إستغراق الشخص في العب مانع من أن يخطر بباله شيء سواه وهي تصد اللاعب عن ذكر الله وتصرفه عن الصلاة وتنسيه طاعة مولاه .
ولما بين الله تعالى اشتمال شرب الخمر ولعب الميسر على هذه المفاسد الخطيرة في الدنيا والدين . قال تعالى : { فهل أنتم منتهون } هذا اللفظ وإن كن استفهاما في الظاهر إلا أن المراد منه هو النهي في الحقيق وإنما حسن هذا المجاز لأنه تعالى ذم هذه الأفعال وبين قبحها لعباده فلما استفهم بعد ذلك عن تركها لم يسع المخاطب إلا الإقرار باترك . فكأنه قيل له : أتفعله بعد ما قد ظهر من قبحه ؟ فصار قوله تعالى : { فهل أنتم منتهون } جاريا مجرى تنصيص الله تعالى على وجوب الإنتهاء مقرونا بإقرار المكلف بوجوب الإنتهاء بدافع من تفسه .
واعلم أن هذه الآية دالة على تحريم شرب الخمر من وجوه : .
أحدها : تصدير الجملة بلفظ { إنما } وذلك لأنه للحصر فكأنه تعالى قال : لا رجس ولا شيء من عمل الشيطان إلا هذه الأربعة .
وثانيها : أنه تعالى قرن الخمر والميسر بعبادة الأوثان حتى أصبح مثله كما قال A : ( شارب الخمر كعابد الوثن ) .
وثالثها : أنه تعالى أمر بالإجتناب وظاهر الأمر الوجوب .
ورابعها : أنه تعالى قال : { لعلكم تفلحون } جعل الإجتناب من الفلاح وإذا كان الإجتناب فلاحا كان الإرتكاب خيبة .
وخامسها : أنه شرح أنواع المفاسد المتولدة عنها في الدنيا والدين وهي وقوع التعالدي والتباغض بين الخلق وحصول الإعراض عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة .
وسادسها : قوله تعالى { فهل أنتم منتهون } وهو من أبلغ ما ينتها به كأنه قيل : قد تلي عليكم ما فيها من أنواع المفاسد والقبائح فهل أنتم منتهون من هذه الصوارف أم أتنم على ما كنتم عليه حين لم توعظوا بهذه المواعظ .
وسابعها : أنه تعالى قال بعد ذلك { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا } فظاهره أن المراد وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فيما تقدم ذكره من أمرهما بالإجتتناب عن الخمر والميسر وقوله { واحذروا } أي احذروا عن مخالفتهما في هذه التكاليف .
وثامنها : قوله تعالى : { فإن تويلتم فاعلموا إنما على رسولنا البلاغ المبين } وهذا تهديد عظيم ووعيد شديد في حق من خالف هذا التكليف وأعرض فيه عن حكم الله D - وبيانه - يعني أنكم إذا توليتم فالحجة قائمة عليكم والرسول قد خرج عن عهدة التبليغ والإعزار والإنذار فأما ما وراء ذلك من عقاب من خالف هذا التكليف وأعرض عنه فذاك إلى الله تعالى . ولا شك أنه تهديد شديد فصار كل واحد من هذه الوجوه الثمانية دليلا قاطعا وبرهنا ساطعا في تحريم الخمر .
حد الشرب .
اتفق الأئمة على أن الذي يوجب هذا الحد إنما هو شرب الخمر دون إكراه قليلها وكثيرها .
واتفق الأئمة : على أنه يثبت الحد بشهادة عدلين أو الإقرار بذلك .
واتفق الأئمة : على أنه لاتقبل شهادة النساء وحدهن ولا مع الرجال في إثبات حد الشرب . لأن فيها شبهة البدلية وتهمة الضلال والنسان . فالبينة تكون ناقصة والأصل براءة الذمة .
واتفق الأئمة الأربعة : على أن الإقرار في شرب الخمر يثبت الحد ولو مرة واحدة .
وقال أبو يوسف من الحنفية : يشترط أن يكون الإقرار مرتين ويقول : شربت الخمر أو شربت ما يسكر ولا يحد باليمين المردودة في الأصح .
واختلفوا في تعريف السكران .
الحنفية قالوا : السكران هو الذي لا يعرف منطقا لا قليلا ولا كثيرا ولا يعرف الأرض من السماء ولا يعرف المرأة من الرجل فيزول تمييزه بالكلية ويصبح بحالة يدرك الأشخاص ولكن يجهل الأوصاف .
المالكية والشافعية والحنبابلة والصاحبان من الحنفية - قالوا : السكران هو الذي يهذي ويخلط كلامه ويستوي عنده الحسن والقبيح لأنه هو السكران في العرف .
واتفق الأئمة الأربعة : على أن الخمر نجسة وعلى تحريم بيعها على المسلمين وإهدار ماليتها فمن كسر دن خمر عند مسلم لا يعاقب بالضمان لقول رسول الله A : ( إن الذي حرم شربها حرم بيعها وأكل ثمنها ) فهي ليست بمال فلا يصح دفعها مهرا ولا أجرا .
واتفق الأئمة الأربعة : على أن عصير العنب إذا اشتد وغلى وقذف بالزبد فهو خمر من غير خلاف بينهم على حرمة شربه وإقامة الحد على شاربه .
حكم شرب الأنبذة .
واختلف العلماء في حكم شرب الأنبذة .
الحنفية قالوا : الحد في غير الخمر من أنواع الأنبذة إنما يتعلق بالسكر فقط فنقيع التمر والزبيب إذا غلي واشتد كان محرما قليله وكثيره ويسمى نبيذا لا خمرا فإن أسكر ففي شربه الحد ويكون نجسا نجاسة مغلظة لثبوتها باليل القطعي قال رسول الله A : ( الخمر من هاتين الشجرتين وأشار إلى الكرم والنخلة ) فإن طبختا أو كانا في طبيخ حل منهما ما يغلب على ظن الشارب منه أنه لا يسكر من غير طرب . فإن اشتد غليانهما حرم الشرب منهما .
أما نبيذ الحنطة والتين والأرز والشعير والذرة والعسل . فإنه حلال عند الحنفية . نقيعها ومطبوخها وإنما يحرم المسكر منه ويحد فيه إذا أسكر كثيره وكذا المتخذ من الألبان إذا اشتد .
المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : كل شراب يسكر كثيره فشرب قليله حرام ويسمى خمرا وفي شربه الحد سواء أكان من عنب أو زبيب أو حنطة أو شعير أو تين أو ذرة أو أرز أو عسل أو لبن ونحو ذلك . نيئا كان أو مطبوخا . لأن اسم الخمر لغة - ما خامر العقل - وروي أن الرسول الله A قال : ( كل مسكر خمر ) فاخمر حقيقة لغوية في عصير العنب المشتد وحقيقة شرعية في غيره مما يسكر من الأشربة أو قياس في اللغة - وروي في الصحيحين من حديث عمر Bه أنه قال : ( نزل تحريم الخمر وهي خمسة : من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير . والخمر ما خمر العقل ) متفق عليه ووجه الاستدلال به من ثلاثة أوجه : .
أحدها : أن سيدنا عمر Bه أخبر أن الخمر حرمت يوم حرمت وهي تتخذ من الحنطة والشعير كما أنها تتخذ من العنب والتمر وهذا يدل على أنهم يسمونها كلها خمرا .
وثانيها : أنه قال : حرمت الخمر يوم حرمت وهي تتخذ من هذه الأشياء الخمسة وهذا كالتصريح بأن الخمر يتناول تحريم هذه الأنواع الخمسة .
وثالثها : أن عمر Bه ألحق بها كل ما خامر العقل من شراب ولا شك أن عمر Bه كان عالما باللغة وروايته أن الخمر اسم لكل ما خامر العقل بتغيره .
واحتجبوا ثانيا - بما روى أبو داود عن النعمان بن بشير Bه أنه قال : قال رسول الله A : ( إن من العنب خمرا وإن من التمر خمرا وإن من العسل خمرا وإن من البر خمرا وإن من الشعير خمرا ) والاستدلال به من وجهين : .
أحدهما : أن هذا الحديث صريح في أن هذه الأشياء داخلة تحت اسم الخمر فتكون داخلة تحت الآية على تحريم الخمر .
وثانيهما : أنه ليس مقصود الشارع تعليم اللغات فوجب أن يكون مراده من ذلك بيان أن الحكم الثابت في الخمر ثابت فيها . والحكم المشهور الذي اختص به الخمر هو حرمة الشرب فوجب أن يكون ثابتا في هذه الأشربة المذكورة .
( يتبع . . . )