كتاب الشهادات .
واحدها شهادة مشتقة من المشاهد لإخبار الشاهد عما يشاهده يقال شهد الشيء إذا رآه ومن ثم قيل لمحضر الناس مشهد لأنهم يرون فيه ما يحضرونه وقوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } أي علمه برؤية هلاله أو إخبار من رآه ونحوه وأجمعوا على قبول الشهادة في الجملة لقوله تعالى : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } الآية وقوله { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وقوله واشهدوا إذا تبايعتم ولحديث [ شاهداك أو يمينه ] وتقدم وغيره ولدعاء الحاجة اليها لحصول التجاحد قال شريح القضاء جمر فنحه عنك بعودين يعني الشاهدين وإنما الخصم داء والشهود شفاء فأفرغ الشفاء على الداء وهي أي الشهادة له حجة شرعية لما تقدم تظهر الحق المدعى به أي تبينه ولهذا سميت بينة ولا توجبه أي الحق بل الحاكم يلزمه به بشرطه فهي أي الشهادة بمعنى الأداء الإخبار بما علمه الشاهد بلفظ خاص كشهدت أو أشهد ويأتي تحمل الشهادة على المشهود به في غير حق الله تعالى ما لا كان حق حق الآدمي كالبيع والغصب أو غيره كحد قذف فرض كفاية اذا قام به من يكفي سقط عن غيره فان لم يوجد إلا من يكفي تعين عليه ولو عبدا وليس لسيده منعه لقوله تعالى : { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } قال ابن عباس و قتادة و الربيع : المراد به التحمل للشهادة وإثباتها عن الحاكم ولدعاء الحاجة إلى ذلك في إثبات الحقوق والعقود كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولئلا يؤدي إلى امتناع الناس من تحملها فيؤدي إلى ضياع الحقوق وتطلق الشهادة على التحمل وعلى الاداء فيكون الأداء أيضا فرض كفاية قدمه الموفق وجزم به جمع وظاهر الخرقي أنه فرض عين قال في الفروع ونصه أنه فرض عين قال في الانصاف وهو المذهب لقوله تعالى : { ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } وخص القلب بالاثم لأنه محل العلم بها ويجبان أي التحمل و الأداء إذا دعى إليهما أهل لهما لأن مقصود الشهادة لا يحصل ممن ليس من أهلها بدون مسافة قصر عند سلطان لا يخاف تعديه نقل منها أوحاكم عدل وقدر على التحمل والأداء بلا ضرر يلحقه فإن كان عليه ضرر في التحمل أو الاداء في بدنه أو ماله أو أهله أو كان ممن لا يقبل الحاكم شهادته أو يحتاج إلى التبذل في التزكية لم يلزمه لقوله : { ولا يضار كاتب ولا شهيد } وقوله A [ لا ضرر ولا ضرار ] ولأنه لا يلزمه أن يضر نفسه لنفع غيره وإن كان الحاكم غيرعدل فقال أحمد كيف أشهد عند رجل ليس عدلا لا أشهد وروى الطبراني عن أبي هريرة مرفوعا [ يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ووزراء فسقة وقضاة خونة وفقهاء كذبة فمن أدرك منكم ذلك الزمان فلا يكونن لهم كاتبا ولا عريفا ولا شرطيا ] فلو أدى شاهد وأبى الآخر الشهادة وقال للمشهود له احلف به لي أثم اتفاقا قاله في الترغيب ويختص الأداء بمجلس الحكم ولا يقيمها أي الشهادة على مسلم بقتل كافر قاله في الفروع وظاهره يحرم ولعل المراد عند من يقتله به ومتى وجبت الشهادة وجبت كتابتها على من وجبت عليه لئلا ينساها وإن دعي فاسق لتحملها أي الشهادة فله الحضور مع عدم غيره إذا التحمل لايعتبر له العدالة فلو لم يؤد حتى صار عدلا قبلت ولا يحرم أداؤه أي الفاسق الشهادة ولو لم يكن فسقه ظاهرا لأنه لا يمنع صدقه ولهذا لا يضمن من بان فسقه ويحرم أخذ أجرة على شهادة و أخذ جعل عليها ولو لم تتعين عليه لأنها فرض كفاية ومن قام به فقد قام بفرض ولا يجوز أخذ الأجرة ولا الجعل عليه كصلاة الجنازة لكن إن عجز الشاهد عن المشي إلى محلها أو تأذى به أي المشي فله أخذ أجرة مركوب من رب الشهادة قال في الرعاية فأجرة مركوب والنفقة على ربها ثم قال قلت هذا أن تعذر حضور المشهود عليه إلى محل الشاهد لمرض أوكبر أوحبس أوجاه أوخفروقال أيضا وكذا حكم مزك ومعرف ومترجم ومفت ومقيم حد وقود وحافظ بيت المال أو محتسب الخليفة انتهى لكن تقدم في المغني تفصيل و يباح لمن عنده شهادة بحد لله تعالى كزنا وشرب خمر إقامتها وتركها لان حقوق الله مبنية على المسامحة ولا ضرر في تركها على أحد والستر مأمور به ولذلك اعتبر في الزنا أربعة رجال وشدد فيه على الشهود ما لم يشدد على غيرهم طلبا للستر واستحب القاضي وأصحابه و أبو الفرج و الشيخ و الترغيب تركه للترغيب في الستر وفي آخر الرعاية وجوب الاغضاء عمن ستر المعصية وللححم أن يعرض لهم أي الشهود بالتوقف عنها أي الشهادة كتعريضه لمقر بحد لله ليرجع عن إقراره لأن عمرلما شهد عنده الثلاثة على المغيرة بالزنا وجاء زياد ليشهد عرض له بالرجوع وقال ما عندك ياسلح العقاب وصاح به فلما لم يصرح بالزنا وقال رأيت أمرا قبيحا فرح عمروحمد الله وكان بمحضر من الصحابة ولم ينكر و [ قال A للسارق ما أخالك سرقت مرتين ] وأعرض عن المقر بالزنا حتى أقرأ ربعا وتقبل الشهادة بحد قديم قال في الانصاف قال في الرعاية هل تقبل الشهادة بحد قديم ؟ على وجهين انتهى والصحيح من المذهب القبول قدمه في الرعاية انتهى ووجه ذلك أنها شهادة بحق فجازت مع تقادم الزمان كالشهادة بالقصاص ولأنه قد يعرض للشاهد ما يمنع الشهادة حينها ويتمكن منها بعد ذلك ومن قال لرجلين احضرا لتسمعا قذف زيد لي لزمهما ذلك وإن دعا زوج أربعة لتحملها بزنا امرأته جاز لقوله تعالى : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } الآية ومن عنده شهادة لآدمي يعلمها لم يقمها حتى يسأله [ رب الشهادة إقامتها ويشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون ] رواه البخاري ولأن أداءها حق للمشهود له فلا يستوفى إلا برضاه كسائر حقوقه وإلا يعلم رب الشهادة بأن الشاهد تحملها استحب لمن عنده الشهادة إعلامه أي رب الشهادة بأن له عنده شهادة قبل إقامتها وله إقامتها قبل إعلامه لحديث [ ألا أنبئكم بخير الشهداء ؟ الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها ] رواه مسلم وحمل هذا الحديث على ما إذا لم يعلم به رب الشهادة والأول على ما إذا علم جمعا بينهما ويحرم على من عنده شهادة بحق آدمي لا يعلمها كتمها للآية فيقيمها أي الشهادة بطلبه أي المشهود له ولو لم يطلبها حاكم منه لما تقدم ولا يقدح اداء الشهادة بلا طلب حاكم وبلا طلب مشهود له لم يعلم به فيه كشهادة حسبة بحق لله تعالى من غير تقدم دعوى ويجب إشهاد اثنين على نكاح لأنه شرط فيه فلا ينعقد بدونها وتقدم ويسن الاشهاد في كل عقد سواه من بيع وإجارة وصلح وغيره لقوله تعالى : { وأشهدوا إذا تبايعتم } وحمل على الاستحباب لقوله تعالى : { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته } ويحرم أن يشهد أحد إلا بما يعلمه لقوله تعالى : { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } قال المفسرون هنا وهو يعمم ما شهد به عن بصيرة وايقان وقال ابن عباس [ سئل النبي A عن الشهادة ؟ فقال ترى الشمس ؟ قال نعم قال على مثلها فاشهد أودع ] رواه الخلال في جامعه والمراد العلم في أصل المدرك لا في دوامه وبذلك يشهد بالدين مع جواز دفع المدين له وبالإجارة والبيع مع جواز الاقالة ونحوها أشار إليه القرافي فمدرك العلم الذي تقع به الشهادات يكون برؤية أو سماع غالبا لجوازها أي الشهادة ببقية الحواس كالذوق واللمس قليلا كدعوى مشتر مأكول عيبه لمرارته ونحوها فتشهد البينة به فان تحمل الشهادة على من يعرفه بعينه واسمه ونسبه جازأن يشهد عليه مع حضوره وغيبته وان جهل الشاهد حاضرا أي اسمه ونسبه وقد تحمل الشهادة عليه جاز أن يشهد عليه في حضرته فقط لمعرفته عينه نصا وان كان غائبا ف لا يشهد حتى يعرف اسمه فان عرفه أي الشاهد به أي المشهود عليه من يسكن أي يطمئن الشاهد إليه ولو واحدا جاز له أد يشهد عليه ولو على امرأة لحصول المعرفة به ولا تعتبر اشارته أي الشاهد حال الشهادة إلى مشهود عليه حاضر مع ذكر نسبه ووصفه اكتفاء بهما فان لم يذكرهما أشار اليه لحصول التعيين وإن شهد شاهد باقرار بحق لم يعتبر لصحة الشهادة ذكر سببه أي الحق أو الاقرار ك ما لا يعتبر لصحة الشهادة بالاقرار ذكر استحقاق ماله بأن يقول : أقر له بكذا وهويستحقه عنده إكتفاء بالظاهر ولا يعتبر للشهادة بالاقرار قوله أي الشاهد أقر طوعا في صحته مكلفا عملا بالظاهر أي ظاهر الحال لأن من سوى ذلك يحتاج إلى تقييد الشهادة بتلك الحال وان شهد شاهد بسبب يوجب الحق كتفريط في أمانة أو شهد ب استحقاق غيره كقوله أشهد أن زيدا يستحق بذمة عمرو كذا ذكره أي الموجب للاستحقاق لأنه قد لا يعتقده الحاكم موجبا والرؤية تختص بالفعل كقتل وسرقة وغصب وشرب خمر ورضاع وولادة وعيوب مرئية في نحو مبيع لأنه يمكن الشهادة على ذلك قطعا فلا يرجع إلى غيره والسماع ضربان الأول سماع من مشهود عليه كعتق وطلاق وعقد من بيع أو نكاح ونحوهما واقرار بمال أوحد أو نسب أو قود أورق أو غيره وحكم حاكم وانفاذه حكم غيره فإذا سمع إنسان من غيره شيئا من ذلك وعرف القائل بقينا كما ذكره في الكافي فيلزمه أي الشخص الشهادة بما سمع من قائل عرفه يقينا كما في الكافي سواء وقت الحاكم الحكم بأن قال حكمت بكذا في زمن كذا أو لم يؤقته أو استشهده مشهود عليه أو لم يستشهده لئلا يمتنع ثبوت الغصب وسائرما يتضمن العدوان فان فاعلها لا يشهد بها على نفسه أو كان الشاهد مستخفيا حين تحمله الشهادة أولا فمن عنده حق ينكره بحضرة من يشهد عليه فسمع اقراره من لا يعلم به المقر جازأن يشهد عليه بما سمعه منه لأنه بسماعه المقرحصل له العلم بالمشهود به كما لورآه يفعل شيئا ولم يعلم الفاعل أن أحدا رآه و الثاني سماع بالاستفاضة بأن يشتهر المشهودبه بين الناس فيتسامعون به باخبار بعضهم بعضا ولا تسمع شهادة بالاستفاضة الا فيما يتعذر علمه غالبا بدونها أي الاستفاضة كنسب إجماعا والا لاستحالت معرفته به اذ لا سبيل إلى معرفته قطعا بغير ذلك ولا تمكن الشهادة فيه وكولادة وموت وملك مطلق إذ الولادة قد لا يباشرها إلا المرأة الواحدة والموت قد لا يباشره إلا الواحد والاثنان ممن يحضره ويتولى غسله وتكفينه والملك قد يتقادم سببه فتوقف الشهادة في ذلك على المباشرة يؤدي إلى العسر خصوصا مع طول الزمن وخرج بالمطلق كقوله ملكه بالشراء من فلان أو الارث أو الهبة فلا تكفي فيه الاستفاضة و ك عتق بأن يشهد أن هذا عتيق زيد لأنه أعتقه و ك ولاء وولاية وعزل لأنه إنما يحضره غالبا آحاد الناس ولكن انتشاره في أهل المحلة أو القرية يغلب على الظن صحته عند الشاهد بل ربما قطع به لكثرة المخبرين ولدعاء الحاجة إليه و ك نكاح عقدا ودواما وخلع وطلاق نصا فيهما لأنه مما يشيع ويشتهر غالبا والحاجة داعية إليه و ك وقف بأن يشهد أن هذا وقف ريدلا أنه أوقفه و كB مصرفه أي الوقف وما أشبه ذلك قال : الخرقي وما تظاهرت به الأخبار واستقرت معرفته في قلبه شهد به ولأن هذه الأشياء تتعذر الشهادة عليها غالبا بمشاهدتها ومشاهدة أسبابها أشبهت النسب وكونه يمكن العلم بمشاهدة سببه لا ينافي التعذر غالبا و يجوز لأحد أن يشهد باستفاضة إلا ان سمع ما يشهد به عن عدد يقع بهم أي بخبرهم العلم لأن لفظ الاستفاضة مأخوذ من فيض الماء لكثرته قال في شرحه ويكون ذلك العددعدد التواترلأنها شهادة فلا يجوز أن يشهد بها من غيرعلم لقوله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم } ويلزم الحكم بشهادة لم يعلم تلقيها من الاستفاضة ومن قال شهدت بها أي الاستفاضة ففرع ذكره في الفروع و الانصاف و التنقيح وفي المغني شهادة أصحاب المسائل يعني الشهود استفاضة لا شهادة على شهادة فيكتفي بمن شهد بها كبقية شهادة الاستفاضة وفي الترغيب ليس فيها فرع وفي التعليق وغيره الشهادة بالاستفاضة خبر لا شهادة وأنها تحصل بالنساء والعبيد وذكر ابن الزاغوني ان شهد أن جماعة يثق بهم أخبروه بموت فلان أوأنه ابنه أو انها زوجته فهي شهادة استفاضة وهي صحيحة وكذا أجاب أبو الخطاب يقبل في ذلك ويحكم فيه بشهادة استفاضة وذكر القاضي أن القاضي يحكم بالتواتر ومن سمع انسانا يقر بنسب أب أو ابن ونحوهما فصدقه المقر له جازأن يشهد له به لتوافق المقروالمقر له على ذلك أو سكت المقر له جاز أن يشهد له به نصا لأن السكوت في النسب إقرارلأن من بشر بولد فسكت لحقه كما لوأقر به لأن الإقرار على الانتساب الباطل غيرجائز ولأن النسب يغلب فيه الإثبات لأنه يلحق بالامكان في النكاح و لا يجوز أن يشهد بالنسب إن كذبه المقر له لبطلان الإقرار بالتكذيب وان قال المتحاسبان لمن حضرهما لا تشهدوا علينا بما يجري بيننا لم يمنع ذلك الشهادة عليهما بما جرى بينهما و لم يمنع ذلك لزوم إقامتها لأن الشاهد قد يشهد بما علمه ولا أثرلمنع المشهود عليه كمن غصب شيئا وقال لمن يراه لا تشهد علي بذلك ومن رأى شيئا بيد انسان يتصرف فيه مدة طويلة ك تصرف مالك من نقض وبناء وإجارة واعارة فله الشهادة بالملك لأن تصرفه فيه على هذا الوجه بلا منازع دليل صحة الملك كمعاينة السبب أي سبب الملك من بيع وارث ولا نظر لاحتمال كون البائع والموروث ليس مالكا والا يره يتصرف كما ذكره مدة طويلة ف إنه يشهد له باليد والتصرف لأن ذلك لا يدل على الملك غالبا