وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

- القسم الثاني من الصوم المفروض : .
وهو الكلام في الفطر وأحكامه : والمفطرون في الشرع على ثلاثة أقسام : صنف يجوز له الفطر والصوم بإجماع . وصنف يجب عليه الفطر على اختلاف في ذلك بين المسلمين . وصنف لا يجوز له الفطر وكل واحد من هؤلاء تتعلق به أحكام . أما الذين يجوز لهم الأمران : فالمريض بإتفاق والمسافر باختلاف والحامل والمرضع والشيخ الكبير . وهذا التقسيم كله مجمع عليه . فأما المسافر فالنظر فيه في مواضع منها : هل إن صام أجزأه صومه أم ليس يجزيه ؟ وهل إن كان يجزئ المسافر صومه الأفضل له الصوم أو الفطر أو هو مخير بينهما ؟ وهل الفطر الجائز له هو في سفر محدود أم في كل ما ينطلق عليه اسم السفر في وضع اللغة ؟ ومتى يفطر المسافر ؟ ومتى يمسك ؟ وهل إذا مر بعض الشهر له أن ينشئ السفر أم لا ؟ ثم إذا أفطر ما حكمه ؟ وأما المريض فالنظر فيه أيضا في تحديد المرض الذي يجوز له فيه الفطر وفي حكم الفطر .
( أما المسألة الأولى ) وهي إن صام المريض والمسافر هل يجزيه صومه عن فرضه أم لا ؟ فإنهم اختلفوا في ذلك فذهب الجمهور إلى أنه إن صام وقع صيامه وأجزأه وذهب أهل الظاهر إلى أنه لا يجزيه وأن فرضه هو أيام أخر . والسبب في اختلافهم تردد قوله تعالى { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } بين أن يحمل على الحقيقة فلا يكون هنالك محذوف أصلا أو يحمل على المجاز فيكون التقدير فأفطر فعدة من أيام أخر وهذا الحذف في الكلام هو الذي يعرفه أهل صناعة الكلام بلحن الخطاب فمن حمل الآية على الحقيقة ولم يحملها على المجاز قال : إن فرض المسافر عدة من أيام أخر لقوله تعالى { فعدة من أيام أخر } ومن قدر فأفطر قال : إنما فرضه عدة من أيام أخر إذا أفطر . وكلا الفريقين يرجح تأويله بالآثار الشاهدة لكلا المفهومين . وإن كان الأصل هو أن يحمل الشيء على الحقيقة حتى يدل الدليل على حمله على المجاز . أما الجمهور فيحتجون لمذهبهم بما ثبت من حديث أنس قال " سافرنا مع رسول الله A في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم " وبما ثبت عنه أيضا أنه قال : كان أصحاب رسول الله A يسافرون فيصوم بعضهم ويفطر بعضهم . فأهل الظاهر يحتجون لمذهبهم بما ثبت عن ابن عباس " أن رسول الله A خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر فأفطر الناس " وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله A . قالوا : وهذا يدل على نسخ الصوم . قال أبو عمر : والحجة على أهل الظاهر إجماعهم على أن المريض إذا صام أجزأه صومه .
( وأما المسألة الثانية ) وهي هل الصوم أفضل أو الفطر ؟ إذا قلنا أنه من أهل الفطر على مذهب الجمهور فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلاثة مذاهب : فبعضهم رأى أن الصوم أفضل وممن قال بهذا القول مالك وأبو حنيفة . وبعضهم رأى أن الفطر أفضل وممن قال بهذا القول أحمد وجماعة . وبعضهم رأى أن ذلك على التخيير وأنه ليس أحدهما أفضل . والسبب في اختلافهم معارضة المفهوم من ذلك لظاهر بعض المنقول ومعارضة المنقول بعضه لبعض وذلك أن المعنى المعقول من إجازة الفطر للصائم إنما هو الرخصة له لمكان رفع المشقة عنه وما كان رخصة فالأفضل ترك الرخصة ويشهد لهذا حديث حمزة بن عمرو الأسلمي خرجه مسلم أنه قال " يا رسول الله أجد في قوة على الصيام في السفر فهل علي من جناح ؟ فقال رسول الله A : هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه " وأما ما ورد من قوله E " ليس من البر أن تصوم في السفر " ومن أن آخر فعله E كان الفطر فيوهم أن الفطر أفضل لكن الفطر لما كان ليس حكما وإنما هو فعل المباح عسر على الجمهور أن يضعوا المباح أفضل من الحكم . وأما من خير في ذلك فلمكان حديث عائشة قالت " سأل حمزة بن عمرو الأسلمي رسول الله A عن الصيام في السفر فقال : إن شئت فصم وإن شئت فأفطر " خرجه مسلم .
( وأما المسألة الثالثة ) .
وهي هل الفطر الجائز للمسافر هو في سفر محدود أو في سفر غير محدود . فإن العلماء اختلفوا فيها فذهب الجمهور إلى أنه إنما يفطر في السفر الذي تقصر فيه الصلاة وذلك على حسب اختلافهم في هذه المسألة . وذهب قوم إلى أنه يفطر في كل ما ينطلق عليه اسم سفر وهم أهل الظاهر . والسبب في اختلافهم معارضة ظاهر اللفظ للمعنى وذلك أن ظاهر اللفظ أن كل من ينطلق عليه اسم مسافر فله أن يفطر لقوله تعالى { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } وأما المعنى المعقول من إجازة الفطر في السفر فهو المشقة ولما كانت لا توجد في كل سفر وجب أن يجوز الفطر في السفر الذي فيه المشقة ولما كان الصحابة كأنهم مجمعون على الحد في ذلك وجب يقاس ذلك على الحد في تقصير الصلاة . وأما المرض الذي يجوز فيه الفطر فإنهم اختلفوا فيه أيضا فذهب قوم إلى أنه المرض الذي يلحق من الصوم فيه مشقة وضرورة وبه قال مالك . وذهب قوم إلى أنه المرض الغالب وبه قال أحمد . وقال قوم إذا انطلق عليه اسم المريض أفطر . وسبب اختلافهم هو بعينه سبب اختلافهم في حد السفر .
( وأما المسألة الخامسة ) [ لا يوجد رابعة ؟ ؟ ] .
وهي متى يفطر المسافر ومتى يمسك فإن قوما قالوا : يفطر يومه الذي خرج فيه مسافرا وبه قال الشعبي والحسن وأحمد . وقالت طائفة : لا يفطر يومه ذلك وبه قال فقهاء الأمصار . واستحب جماعة العلماء لمن علم أنه يدخل المدينة أول يومه ذلك أن يدخل صائما وبعضهم في ذلك أكثر تشديدا من بعض وكلهم لم يوجبوا على من دخل مفطرا كفارة . واختلفوا في من دخل وقد ذهب بعض النهار فذهب مالك والشافعي على أنه يتمادى على فطره . وقال أبو حنيفة وأصحابه : يكف عن الأكل وكذلك الحائض عنده تطهر تكف عن الأكل . والسبب في اختلافهم في الوقت الذي يفطر فيه المسافر هو معارضة الأثر للنظر . أما الأثر فإنه ثبت من حديث ابن عباس " أن رسول الله A صام حتى بلغ الكديد ثم أفطر وأفطر الناس معه " وظاهر هذا أنه أفطر بعد أن بيت الصوم . وأما الناس فلا يشك أنهم أفطروا بعد تبييتهم الصوم وفي هذا المعنى أيضا حديث جابر بن عبد الله " أن رسول الله A خرج عام الفتح إلى مكة فسار حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام فقال : " أولئك العصاة أولئك العصاة " وخرج أبو داود عن أبي نضرة الغفاري أنه لما تجاوز البيوت دعا بالسفرة قال جعفر راوي الحديث : فقلت : ألست تؤم البيوت ؟ فقال : أترغب عن سنة رسول الله A ؟ قال جعفر : فأكل . وأما النظر فلما كان المسافر لا يجوز له إلا أن يبيت الصوم ليلة سفره لم يجز له أن يبطل صومه وقد بيته لقوله تعالى { ولا تبطلوا أعمالكم } وأما اختلافهم في إمساك الداخل في أثناء النهار عن الأكل أو لا إمساكه . فالسبب في اختلافهم في تشبيه من يطرأ عليه في يوم شك أفطر فيه الثبوت أنه من رمضان فمن شبهه به قال يمسك عن الأكل ومن لم يشبهه به قال لا يمسك عن الأكل لأن الأول أكل لموضع الجهل وهذا أكل لسبب مبيح أو موجب للأكل . والحنفية تقول : كلاهما سببان موجبان للإمساك عن الأكل بعد إباحة الأكل .
( وأما المسألة السادسة ) .
وهي هل يجوز للصائم في رمضان أن ينشيء سفرا ثم لا يصوم فيه فإن الجمهور على أنه يجوز ذلك له . وروي عن بعضهم وهو عبيدة السلماني وسويد بن غفلة وابن مجلز أنه إن سافر فيه صام ولم يجيزوا له الفطر . والسبب في اختلافهم اختلافهم في مفهوم قوله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وذلك أنه يحتمل أن يفهم منه أن من شهد أن الواجب أن يصوم ذلك البعض الذي شهده وذلك أنه لما كان المفهوم باتفاق أن من شهده كله فهو يصومه كله كأن من شهد بعضه فهو يصوم بعضه ويؤيد تأويل الجمهور إنشاء رسول الله A السفر في رمضان . وأما حكم المسافر إذا أفطر فهو القضاء باتفاق وكذلك المريض لقوله تعالى { فعدة من أيام أخر } ما عدا المريض بإغماء أو جنون فإنهم اختلفوا في وجوب القضاء عليه وفقهاء الأمصار على وجوبه على المغمى عليه واختلفوا في المجنون ومذهب مالك وجوب القضاء عليه وفيه ضعف لقوله E " وعن المجنون حتى يفيق " والذين أوجبوا عليهم القضاء اختلفوا في كون الإغماء والجنون مفسدا للصوم فقوم قالوا إنه مفسد وقوم قالوا : ليس بمفسد وقوم فرقوا بين أن يكون أغمي عليه بعد الفجر أو قبل الفجر وقوم قالوا : إن أغمي عليه بعد مضي أكثر النهار أجزأه وإن أغمي عليه في أول النهار قضى وهو مذهب مالك وهذا كله فيه ضعف فإن الإغماء والجنون صفة يرتفع بها التكليف وبخاصة الجنون إذا ارتفع التكليف لم يوصف لمفطر ولا صائم فكيف يقال في الصفة التي ترفع التكليف إنها مبطلة للصوم إلا كما يقال في الميت أو في من لا يصح منه العمل إنه قد بطل صومه وعمله . ويتعلق بقضاء المسافر والمريض مسائل : منها هل يقضيان ما عليهما متتابعا أم لا ؟ ومنها ماذا عليهما إذا أخرا القضاء بغير عذر إلى أن يدخل رمضان آخر ؟ ومنها إذا ماتا ولم يقضيا هل يصوم عنهما وليهما أو لا يصوم ؟ .
( أما المسألة الأولى ) فإن بعضهم أوجب أن يكون القضاء متتابعا على صفة الأداء وبعضهم لم يوجب ذلك وهؤلاء منهم من خير ومنهم من استحب التتابع والجماعة على ترك إيجاب التتابع . وسبب اختلافهم تعارض ظواهر اللفظ والقياس وذلك أن القياس يقتضي أن يكون الأداء على صفة القضاء أصل ذلك الصلاة والحج . أما ظاهر قوله تعالى { فعدة من أيام أخر } فإنما يقتضي إيجاب العدد فقط لا إيجاب التتابع . وروي عن عائشة أنها قالت : نزلت فعدة من أيام أخر متتابعات فسقط { متتابعات } . وأما إذا أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر فقال قوم : يجب عليه بعد صيام رمضان الداخل القضاء والكفارة وبه قال مالك والشافعي وأحمد . وقال قوم : لا كفارة عليه وبه قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي . وسبب اختلافهم هل تقاس الكفارات بعضها على بعض أم لا ؟ فمن لم يجز القياس في الكفارات قال : إنما عليه القضاء فقط . ومن أجاز القياس في الكفارات قال : عليه كفارة قياسا على من أفطر متعمدا لأن كليهما مستهين بحرمة الصوم . أما هذا فبترك القضاء زمان القضاء وأما ذلك فبالأكل في يوم لا يجوز فيه الأكل وإنما كان يكون القياس مستندا لو ثبت أن للقضاء زمنا محدودا بنص من الشارع لأن أزمنة الأداء هي المحدودة في الشرع وقد شذ قوم فقالوا : إذا اتصل مرض المريض حتى يدخل رمضان آخر أنه لا قضاء عليه وهذا مخالف للنص . وأما إذا مات وعليه صوم فإن قوما قالوا : لا يصوم أحد عن أحد . وقوم قالوا يصوم عنه وليه والذين لم يوجبوا الصوم قالوا : يطعم عنه وليه وبه قال الشافعي . وقال بعضهم : لا صيام ولا إطعام إلا أن يوصي به وهو قول مالك . وقال أبو حنيفة يصوم فإن لم يستطع أطعم وفرق قوم بين النذر والصيام المفروض فقالوا يصوم عنه وليه في النذر ولا يصوم في الصيام المفروض والسبب في اختلافهم معارضة القياس للأثر وذلك أنه ثبت عنه من حديث عائشة أنه قال E " من مات وعليه صيام صامه عنه وليه " خرجه مسلم وثبت عنه أيضا من حديث ابن عباس أنه قال " جاء رجل إلى النبي A فقال : يارسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ فقال : لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها ؟ قال نعم قال : فدين الله أحق بالقضاء " فمن رأى أن الأصول تعارضه وذلك أنه كما أنه لا يصلي أحد عن أحد ولا يتوضأ أحد عن أحد وكذلك لا يصوم أحد عن أحد قال : لا صيام على الولي ومن أخذ بالنص في ذلك قال : بإيجاب الصيام عليه ومن لم يأخذ بالنص في ذلك قصر الوجوب على النذر ومن قاس رمضان عليه قال : يصوم عنه في رمضان . وأما من أوجب الإطعام فمصيرا إلى قراءة من قرأ { وعلى الذين يطيقونه فدية } الآية .
( يتبع . . . )