( تابع . . . 1 ) : مصل سبقه الحدث في الصلاة من بول أو غائط أو ريح أو رعاف بغير .
و " أبو حنيفة " C تعالى قال : ما لم يسلم الإمام فالمسبوق مقتد به ألا ترى أنه لو نوى الإمامة أثر ذلك في حق المسبوق وأنه ممنوع من القيام حتى يسلم الإمام والضحك والحدث إذا لاقى جزءا من الصلاة كان مفسدا لذلك الجزء وبفساد ذلك الجزء من صلاة الإمام يفسد مثله من صلاة المقتدي إلا أن الإمام لم يبق عليه البناء بفساد ذلك الجزء ولا يضره والمسبوق قد بقى عليه البناء ففساد ذلك الجزء يمنعه من بناء ما بقى فيلزمه الإستقبال ألا ترى أنه لو ضحك بنفسه أو أحدث في هذه الحالة لزمه الإستقبال فكذلك فعل الإمام في حقه بخلاف السلام والكلام فالسلام منه للصلاة والكلام قاطع لا مفسد لأنه لا يفوت به شرط الصلاة وهو الطهارة فلم يؤثر ذلك في حق المسبوق فأما الضحك والحدث مفسد لا قاطع لأنه يفوت به شرط الصلاة وهو الطهارة ولهذا قيل : لو تكلم الإمام بعد ما قعد قدر التشهد فعلى القوم أن يسلموا ولو أحدث الإمام متعمدا أو قهقه لم يسلم القوم وخروج الإمام من المسجد في كونه قاطعا لكلامه فلا يفسد صلاة المسبوقين .
قال : وإذا افتتح الرجل صلاة المكتوبة في المسجد وحده ثم أقيم له فيها ففي ذوات الأربع كالظهر والعصر والعشاء إن كان صلى ركعة أضاف إليها أخرى وقعد وسلم ثم دخل مع الإمام لأنه لو قطعها كذلك كان مبطلا عمله فإن الركعة الواحدة لا تكون صلاة فيضيف إليها ركعة أخرى ليصير شفعا ثم يسلم فيدخل مع الإمام لإحراز فضيلة الجماعة فإن النبي A قال صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة .
فإن قيل كيف يقطع فرضه بعد الشروع فيها ؟ .
قلنا لا يقطعها رافضا لها وإنما يقطعها ليعيدها على أكمل الوجوه وذلك جائز كما يقطع الظهر إذا أقيمت الجمعة وكذلك إن قام إلى الثالثة ولم يقيدها بالسجدة عاد فقعد وسلم لكيلا .
صفحة [ 175 ] تفوته فضيلة الجماعة ولا يسلم كما هو قائما لأن ما أتى به من القعدة كان سنة وقعدة الختم فرض فعليه أن يعود إلى القعدة ثم يسلم ليكون متنفلا بركعتين فإن قيد الثالثة بالسجدة مضى في صلاته لأنه أتى بأكثرها وللأكثر حكم الكمال فإذا فرغ منها دخل مع الإمام في الظهر والعشاء بنية النفل لأن التنفل بعدهما جائز ولو خرج من المسجد ربما توهم أنه ممن لا يرى الجماعة فلهذا دخل معه فأما في العصر لا يدخل لأن التنفل بعده مكروه كما بينا .
وعند " الشافعي " رضي الله تعالى عنه يدخل بناء على أصله في الصلاة التي لها سبب .
فإذا لم يدخل معه خرج من المسجد لأن في المكث تطول مخالفته للإمام وفي الخروج إنما يظهر مخالفته في لحظة فهو أولى .
ولم يذكر في الكتاب أنه إذا كان في الركعة الأولى ولم يقيدها بالسجدة كيف يصنع ؟ والصحيح : أنه يقطعها ليدخل مع الإمام فيحرز به ثواب تكبيرة الإفتتاح لأن ما دون الركعة ليس لها حكم الصلاة حتى أن من حلف أن لا يصلى لا يحنث على ما دون الركعة ألا ترى أنه من الركعة الثالثة يعود إذا لم يقيدها بالسجدة فكذلك في الركعة الأولى يقطعها ليدخل مع الإمام .
فأما في الفجر فإن كان صلى ركعة قطعها لأنه لو أدى ركعة أخرى تم فرضه وفاتته الجماعة فالأولى أن يقطعها ليعيدها على أكمل الوجوه .
وإن كان قيد الثانية بسجدة أتمها لأنه أدى أكثرها ثم أنه لا يدخل مع الإمام لأنه يكون متنفلا بعد الفجر وذلك مكروه والذي روى من حال الرجلين حين صلى رسول الله A في مسجد الخيف صلاة الفجر كما روينا فقد ذكر " أبو يوسف " C تعالى في الإملاء أن تلك الحادثة كانت في صلاة الظهر ولئن كانت في صلاة الفجر فقد كان في وقت لم ينههم عن صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ثم انتسخ بالنهي .
وأما المغرب فإن صلى ركعة قطعها لأنه لو أضاف إليها ركعة أخرى كان مؤديا أكثر الصلاة فلا يمكنه القطع بعد ذلك ولو قطع كان متنفلا بركعتين قبل المغرب وذلك منهي عنه فلهذا قطع صلاته ليعيدها على أكمل الوجوه وإن كان قيد الركعة الثانية بسجدة أتم صلاته لأنه قد أدى أكثرها ثم لا يدخل مع الإمام وذلك مروي عن " ابن عمر " رضي الله تعالى عنهما وإنما لا يدخل لا لأن التنفل بعد المغرب منهى عنه ولكن لأنه لو دخل معه فإما أن يسلم معه فيكون متنفلا بثلاث ركعات وهو غير مشروع أو يضيف إليها ركعة أخرى فيكون .
صفحة [ 176 ] مخالفا لإمامه فلهذا لا يدخل معه .
وعن " أبي يوسف " C تعالى أنه يدخل معه فإذا فرغ الإمام قام فصلى ركعة أخرى ليصير شفعا له ولا يبعد أن يقوم لإتمامه بعد فراغ الإمام كالمسبوق وهو بالشروع قد التزم ثلاث ركعات فكأنه التزمها بالنذر فيلزمه أربع .
وعندنا أن دخل فعل كما قال " أبو يوسف " C تعالى .
وقال " بشر المريسي " : يسلم مع الإمام لأن هذا التغير كان بحكم الإقتداء وذلك جائز كالمسبوق يدرك الإمام في القعدة يقعد معه وابتداء الصلاة لا يكون بالقعدة وجاز ذلك بحكم الإقتداء فهذا مثله .
قال : وإذا صلى الظهر في بيته يوم الجمعة ثم صلى الجمعة مع الإمام فالجمعة فرضه ويصير الظهر تطوعا له لأن بأداء الظهر ما سقط عنه الخطاب بالسعي إلى الجمعة فكان في أدائها مفترضا ولا يجتمع فرضان في وقت واحد فمن ضرورة كون الجمعة فرضا له أن ينقلب ما قبله تطوعا .
وهذا بخلاف ما إذا صلى الظهر في بيته يوم الخميس ثم أدركها بالجماعة فصلاها فالأولى فرض والثانية تطوع بعد أداء الفرض وهو غير مخاطب بشهود الجماعة في تلك الصلاة فإن شهدها كان متنفلا .
يوضح الفرق أن الجمعة أقوى من الظهر لأنها تستدعى من الشرائط ما لا يستدعيه الظهر والضعيف لا يظهر في مقابلة القوى وإذا ظهر القوى بأدائه لإسقاط فرض الوقت به سقط اعتبار الضعيف وكان تطوعا فأما الظهر المؤدى في الجماعة في حكم القوة كالمؤدى في بيته فإن أحدهما يستدعى شرطا لا يستدعيه الآخر فإذا استويا ترجح السابق منهما لإسقاط فرض الوقت به فكانت الثانية نفلا .
قال : وإذا أحدث الإمام فلم يقدم أحدا حتى خرج من المسجد فإن صلاة القوم فاسدة لأنهم مقتدون فيها ولم يبق لهم إمام في مكانه وهو في المسجد ولم يبين في الكتاب حال الإمام .
وذكر " الطحاوي " C تعالى أن صلاته تفسد أيضا لأن بعد سبق الحدث كان الإستخلاف ليصير هو في حكم المقتدي به كغيره فبترك الإستخلاف لما فسدت صلاة القوم فلأن تفسد صلاته كان أولى .
وذكر " أبو عصمة " C تعالى أن صلاته لا تفسد لأنه في حق نفسه كالمنفرد فلا تفسد صلاته بالخروج من المسجد بعد سبق الحدث .
فعلى ما ذكره " الطحاوي " C تعالى فساد صلاة القوم بطريق القياس على فساد صلاة إمامهم وعلى ما ذكره " أبو عصمة " وهو الأصح فساد صلاة القوم استحسان فكان ينبغي في القياس أن لا تفسد فإن بعد حدث الإمام بقوا مقتدين به حتى لو وجد الماء في المسجد .
صفحة [ 177 ] فتوضأ وعاد إلى مكانه وأتم بهم الصلاة أجزأهم فكذلك بعد خروجه .
ولكنه استحسن وأراه قبيحا أن يكون القوم في مسجد وإمامهم في أهله فأما ما دام في المسجد فكأنه في المحراب لأن المسجد في كونه مكان الصلاة كبقعة واحدة فليس بينه وبينهم ما ينافي الإقتداء فأما بعد خروجه فقد صار بينه وبينهم ما ينافي الإقتداء فلهذا فسدت صلاتهم .
قال : فإن قدموا رجلا قبل خروج الإمام من المسجد فصلاته وصلاتهم تامة لأن تقديم القوم إياه كاستخلاف الإمام الأول ألا ترى أن في الإمامة العظمى لا فرق بين اجتماع الناس على رجل وبين استخلاف الإمام الأعظم وهذا لأن الإمام في الإستخلاف ينظر لهم في إصلاح صلاتهم فيكون لهم أن ينظروا إلى أنفسهم أيضا فإن قدم كل فريق من القوم رجلا فسدت صلاتهم لأنها افتتحت بإمام واحد فلا يجوز إتمامها بإمامين ولو جاز ذلك لجاز بأكثر من اثنين فينوى كل واحد أن يؤم نفسه وهذا إذا استوى الفريقان في العدد لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر فأما إذا اقتدى جماعة من القوم بأحد الإمامين إلا رجلا أو رجلين اقتديا بالثاني فصلاة من اقتدى به الجماعة صحيحة وصلاة الآخرين فاسدة " لقوله A : يد الله مع الجماعة فمن شذ شذ في النار " وقال عمر رضى الله تعالى عنه في الشورى : إن اتفقوا على شيء وخالفهم واحد فاقتلوه .
فأما إذا اقتدى بكل إمام جماعة وأحد الفريقين أكثر عددا من الآخر : فقد قال بعض مشايخنا صلاة الأكثرين جائزة ويتعين الفساد في الآخرين كما في الواحد والمثنى .
والأصح : أن تفسد صلاة الفريقين لأن كل واحد منهما جمع تام يتم به نصاب الجمعة فيكون الأقل مساويا للأكثر حكما كالمدعيين يقيم أحدهما شاهدين والآخر عشرة من الشهود وكذلك إن كان الإمام هو الذي قدم رجلين فهذا وتقديم القوم إياهما سواء وإن وصل أحدهما إلى موضع الإمامة قبل الآخر تعين للإمامة وجاز صلاته وصلاة من اقتدى به لأن الإستخلاف كان للضرورة وقد ارتفعت بوصوله إلى موضع الإمامة فاستخلاف الآخر وجوده كعدمه .
قال : وإن أحدث الإمام ولم يكن خلفه إلا رجل واحد صار هو إماما قدمه الإمام أو لم يقدمه نوى هو الإمامة أو لم ينو لأنه تعين للاستخلاف فإن صلاحيته للاستخلاف بكونه شريك الإمام في الصلاة ولا مزاحم له والحاجة في هذا إلى الإستخلاف أو النية للتمييز وذلك عند المزاحمة لا عند التعين فإذا توضأ الإمام رجع ودخل مع هذا في صلاته لأن الإمامة تحولت إليه وإن لم .
صفحة [ 178 ] يرجع الإمام حتى أحدث هذا فخرج من المسجد فسدت صلاة الإمام الأول لأنه في حكم المقتدى به ولم يبق له إمام في المسجد وإن لم يخرج حتى رجع الأول ثم خرج الثاني فقد صار الإمام هو الأول لأنه متعين لإصلاح الصلاة وإن جاء ثالث واقتدى بالثاني ثم سبقه الحدث فخرج من المسجد تحولت الإمامة إلى الثالث لكونه متعينا فإن أحدث فخرج من المسجد قبل رجوع أحد الأولين فسدت صلاتهما لأنه لم يبق لهما إمام في المسجد وإن كان قد رجع أحد الأولين قبل خروج الثالث تحولت الإمامة إليه بخروج الثالث فإن كانا رجعا جميعا فإن استخلف الثالث أحدهما صار هو الإمام وإن لم يستخلف حتى خرج فسدت صلاتهما لأنه ليس أحدهما بأولى بالإمامة من الآخر .
وروى " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى إذا أحدث وليس معه إلا رجل واحد فوجد الماء في المسجد فتوضأ قال يتم صلاته مقتديا بالثاني لأنه متعين للإمامة فبنفس انصرافه تتحول الإمامة إليه وإن كان معه جماعة فتوضأ في المسجد عاد إلى مكان الإمامة وصلى بهم لأن الإمامة لم تتحول منه إلى غيره في هذه الحالة إلا بالإستخلاف ولم يوجد .
قال : إمام أحدث فانفتل وقدم رجلا جاء ساعتئذ فإن كان كبر قبل الحدث من الإمام صح استخلافه لأنه شريك الإمام في الصلاة وإن لم يكن كبر فلما استخلفه كبر ينوى الإقتداء به صح الإستخلاف أيضا إلا على قول بشر فإنه يقول لا يصح اقتداؤه بالإمام لأن حدث الإمام في حق المقتدي كحدثه بنفسه وكونه محدثا يمنع الشروع في الصلاة ابتداء فيمنع من الإقتداء به أيضا فإن بقاء الإقتداء بعد الحدث عرفناه بالسنة والإبتداء ليس في معنى البقاء .
ولكنا نقول التحريمة في حق الإمام باقية حتى إذا عاد بنى على صلاته وكذلك صفة الإمامة له ما لم يخرج من المسجد حتى لو توضأ في المسجد وعاد إلى مكان الإمامة جاز فاقتداء الغير به صحيح في هذه الحالة وإذا صح الإقتداء جاز استخلافه وإن كان حين كبر نوى أن يصلى بهم صلاة مستقبلة ولم ينو الإقتداء بالأول فصلاته تامة لأنه افتتحها منفردا بها وقد أداها وصلاة القوم فاسدة لأنهم كانوا مقتدين بالأول فلا يمكنهم إتمامها مقتدين بالثاني فإن الصلاة الواحدة لا تؤدى بإمامين بخلاف خليفة الأول فإنه قائم مقامه فكأنه هو بعينه فكان الإمام واحدا معنى وإن كان مثنى في الصورة وهنا الثاني ليس بخليفة الأول فإنه لم يقيد به قط فتحقق أداء الصلاة الواحدة خلف إمامين صورة ومعنى فلهذا لا يجزئهم .
قال : إمام أحدث وهو مسافر وخلفه مقيمون ومسافرون .
صفحة [ 179 ] فقدم مقيما صح ذلك لأن المقيم شريكه في هذه الصلاة ولا يتغير به فرض المسافرين بخلاف ما لو نوى الأول الإقامة لأنهم لما قصدوا الإقتداء بالأول فقد ألزموا أنفسهم حكم الإقتداء وما قصدوا الإقتداء بالثاني إنما لزمهم الإقتداء لضرورة الحاجة إلى إصلاح صلاتهم والثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة وعلى هذا قلنا لو قدم مسافرا فنوى الثاني الإقامة لا يتغير فرض المسافرين ثم على الثاني أن يتم بهم صلاة المسافرين لأنه خليفة الأول فيأتى بما كان على الأول فإذا قعد قدر التشهد قدم مسافرا ليسلم بهم لأنه عاجز عن التسليم بنفسه لبقاء البناء عليه ثم يقوم هو مع المقيمين فيتمون صلاتهم وحدانا هكذا " قال رسول الله A حين صلى " بعرفات " أتموا يا أهل " مكة " صلاتكم فإنا قوم سفر " فإن اقتدوا فيما يقضون فسدت صلاتهم لأن الإقتداء في موضع يحق فيه الإنفراد كالإنفراد في موضع يحق فيه الإقتداء لما بينهما من المخالفة في الحكم وإن مضى الإمام الثاني في صلاته حتى أتمها صلاة الإقامة والقوم معه فإن قعد في الثانية قدر التشهد فصلاته وصلاة المسافرين تامة لأنه في حق نفسه منفرد لا تتعلق صلاته بصلاة غيره والمسافرون إنما اشتغلوا بالنفل بعد إكمال الفرض فلا يضرهم فأما صلاة المقيمين فاسدة لأن عليهم الإنفراد في الأخريين فإذا اقتدوا به فسدت صلاتهم فإن لم يقعد الثاني في الركعتين فسدت صلاته وصلاة القوم كلهم لأنه خليفة الأول فيفترض عليه ما على الأول والأول لو ترك القعدة الأولى فسدت صلاته وصلاة القوم فكذلك الثاني إذا تركها فتفسد به صلاة الإمام الأول أيضا لأنه كغيره من المقتدين به .
( يتبع . . . )