( تابع . . . 1 ) : قال " بلغنا عن النبي - A - أنه وقت لأهل المدينة .
قال فإن قرن هذا الكوفي بعد ما جاوز الميقات فأحرم بالحج والعمرة ولم يرجع إلى الميقات فعليه دم واحد عندنا وقال " زفر " C تعالى عليه دمان لأنه أخر الإحرامين جميعا عن الميقات فيلزمه لكل إحرام دم ألا ترى أن القارن إذا ارتكب سائر المحظورات يجب عليه ضعف ما يجب على المفرد فكذلك إذا أحرم وراء الميقات وعلماؤنا قالوا : المستحق عليه عند الميقات إحرام واحد ألا ترى أنه لو أحرم بالعمرة عند الميقات ثم أحرم بالحج بعد ما جاوز الميقات كان جائزا ولا شيء عليه فعرفنا أن المستحق عليه عند الميقات إحرام واحد فيجب عليه بتأخير ذلك الإحرام دم واحد بخلاف سائر المحظورات فإنه صار بجنايته مرتكبا محظور إحرامين فكان عليه جزاآن وكذلك إن أهل بعمرة بعدما جاوز الميقات ثم أهل بحجة " بمكة " فعليه دم واحد لتأخيره إحرام العمرة عن الميقات لأنه لما دخل " مكة " بإحرام العمرة فميقات إحرامه للحج الحرم وقد أحرم به في الحرم وإن كان أهل بالحجة بعد ما جاوز الميقات ثم دخل " مكة " فأهل بالعمرة أيضا كان عليه دمان لأنه أخر إحرام الحج عن ميقاته فوجب عليه دم ولما دخل " مكة " بإحرام الحجة فميقات إحرامه للعمرة الحل بمنزلة ميقات أهل " مكة " فحين أهل بالعمرة في الحرم فقد ترك ميقات إحرام العمرة أيضا فيلزمه لذلك دم آخر .
قال كوفي دخل " مكة " بغير إحرام لحاجة له فقال عليه حجة أو عمرة أي ذلك شاء لأن دخول " مكة " سبب لوجوب الإحرام عليه فمباشرة ذلك السبب بمنزلة التزامه الإحرام بالنذر وفي نذر الإحرام يلزمه حجة أو عمرة فكذلك إذا لزمه الإحرام بدخول " مكة " فإن رجع إلى الميقات فأهل بحجة الإسلام أجزأه عن حجة الإسلام وعما لزمه بدخول " مكة " استحسانا عندنا وفي القياس لا يجزيه عما لزمه لدخول " مكة " وهو قول " زفر " - C تعالى - لأنه بدخول " مكة " بغير إحرام وجب عليه حجة أو عمرة وصار ذلك ينافي ذمته وحجة الإسلام لا تنوب عما صارت نسكا دينا في ذمته ألا ترى أنه لو تحولت السنة ثم أحرم بالحج في السنة الثانية من الميقات لا ينوب هذا عما لزمه لدخول " مكة " فكذلك في السنة الأولى ولكن استحسن علماؤنا رحمهم الله تعالى فقالوا : لو كان حين انتهى إلى الميقات في الابتداء أحرم بحجة الإسلام ناب ذلك عما يلزمه لدخول " مكة " لأن الواجب عليه أن يكون محرما عند دخول " مكة " لا أن يكون إحرامه لدخول " مكة " كمن اعتكف في رمضان أجزأه لأن الواجب عليه أن يكون صائما في مدة الاعتكاف لا أن يكون صومه للاعتكاف فإذا عرفنا هذا فنقول : لو أحرم عند الميقات في الابتداء كان يؤدي حجة الإسلام بذلك الإحرام في تلك السنة وقد أداها حين عاد إلى الميقات فأحرم بحجة الإسلام فصار به متلافيا للمتروك فيسقط عنه ما لزمه لدخول " مكة " فأما بعدما تحولت السنة لم يصر متلافيا للمتروك لأنه لو أحرم بالحج في السنة الأولى لم يكن له أن يؤدي الحج بذلك الإحرام في الثانية فعرفنا أنه لا يصير متلافيا للمتروك .
فإن قيل : أليس أنه لو عاد إلى الميقات وأحرم بعمرة منذورة لا يسقط عنه بهذا العود ما لزمه بدخول " مكة " وهو حين انتهى إلى الميقات لو أحرم بالعمرة المنذورة ودخل به " مكة " لا يلزمه شيء ثم لا يصير به متداركا لما هو الواجب .
قلنا هو خارج على ما ذكرنا لأن العمرة وإن لم تكن مؤقتة فيكره أداؤها في خمسة أيام من السنة فلو أحرم بها في الابتداء لم يكن له أن يؤخرها إلى الوقت المكروه فلا يصير بالرجوع إلى الميقات والإحرام بالعمرة متداركا للمتروك .
قال وإذا جاوز الميقات حلالا ثم أحرم بالحج ففاته الحج سقط عنه دم الوقت عندنا ولم يسقط عند " زفر " C تعالى لأن الدم بمجاوزة الميقات صار واجبا عليه فلا يسقط بفوات الحج كما لو وجب عليه الدم بالتطيب أو لبس المخيط لا يسقط عنه ذلك بفوات الحج ولكنا نقول لما فاته الحج وجب عليه القضاء وهو للقضاء يحرم من الميقات فينعدم به المعنى الذي لأجله يلزمه الدم وهو أداء الحج بإحرام بعد مجاوزة الميقات بخلاف سائر الدماء لأن وجوب ذلك عليه بما ارتكب من المحظورات ولا ينعدم ذلك بفوات الحج وعلى هذا لو جامع قبل الوقوف حتى فسد حجه سقط عنه دم الوقت عندنا لأن القضاء وجب عليه فإذا عاد للقضاء يحرم من الميقات فانعدم به المعنى الذي لأجله كان يلزمه الدم .
قال وكذلك من جاوز الميقات غير محرم ثم أتى وقتا آخر فأحرم منه أجزأه ولا شيء عليه لأن اتيانه وقتا آخر بمنزلة رجوعه إلى الميقات والإحرام عنده للأصل الذي قلنا إن من حصل في ميقات فإحرامه يكون من ذلك الميقات سواء كان من أهل ذلك الميقات أو لم يكن فإنما أحرم بالحج من ميقاته فلهذا لا يلزمه الدم .
قال عبد دخل " مكة " مع مولاه بغير إحرام ثم أذن له مولاه فأحرم بالحج فعليه إذا عتق دم لترك الوقت لأنه مخاطب فيتحقق منه السبب الموجب للدم وهو تأخير الإحرام بالحج من ميقاته ولكن ما يلزمه من الدم إذا لم يكن له مال يتأخر إلى ما بعد العتق وهذا بخلاف النصراني يدخل " مكة " ثم يسلم ثم يحرم من " مكة " أو الصبي يدخل " مكة " بغير إحرام ثم يحتلم " بمكة " فيحرم بالحج فإن هناك لا يلزمه بترك الوقت شيء لأن النصراني لم يكن مخاطبا بالإحرام بالحج حين انتهى إلى الميقات فإن الخطاب بالإحرام إنما يتوجه على من يصح منه الإحرام وكذلك الصبي فلا يتحقق منهما تأخير الإحرام الواجب لأنه إنما لزمهما الإحرام عند الإسلام والبلوغ وعند ذلك هما " بمكة " وميقات إحرام الحج في حق من هو " بمكة " الحرم وقد أحرما منه بخلاف العبد على ما بينا وذكر في اختلاف " زفر " و يعقوب - رحمهما الله تعالى - أن النصراني لو أسلم أو بلغ الصبي فمات قبل إدراك الوقت وأوصى كل واحد منهما بأن يحج عنه حجة الإسلام فوصيتهما باطلة عند " زفر " - C تعالى - لأنه لم يلزمهما الحج قبل إدراك الوقت إذ لا يتصور الأداء قبل إدراك الوقت فلا تصح وصيتهما به وعلى قول " أبي يوسف " يصح لأن سبب الوجوب قد تقرر في حقهما والوقت شرط الأداء وانعدام شرط الأداء لا يمنع تقرر سبب الوجوب فتصح وصيتهما بالأداء في وقته .
قال ولو أن الصبي أهل بالحج قبل أن يحتلم ثم احتلم قبل أن يطوف بالبيت أو قبل أن يقف " بعرفة " لم يجزه عن حجة الإسلام عندنا وعلى قول " الشافعي " - C تعالى - يجزئه وهو بناء على ما بينا في كتاب الصلاة إذا صلى في أول الوقت ثم بلغ في آخره عنده يجزئه عن الفرض ويجعل كأنه بلغ قبل أداء الصلاة وهنا أيضا يجعل كأنه بلغ قبل مباشرة الإحرام فيجزئه ذلك عن حجة الإسلام قال : وهذا على أصلكم أظهر لأن الإحرام عندكم من الشرائط دون الأركان ولهذا صح الإحرام بالحج قبل دخول أشهر الحج ولكنا نقول حين أحرم هو لم يكن من أهل أداء الفرض فانعقد إحرامه لأداء النفل فلا يصح أداء الفرض به وهو نظير الضرورة إذا أحرم بنية النفل عندنا لا يجزئه أداء الفرض به وعنده ينعقد إحرامه للفرض والإحرام وإن كان من الشرائط عندنا ولكن في بعض الأحكام هو بمنزلة الأركان ومع الشك لا يسقط الفرض الذي ثبت وجوبه بيقين فلهذا لا يجزئه حجة الإسلام بذلك الإحرام إلا أن يجدد إحرامه قبل أن يقف " بعرفة " فحينئذ يجزئه عن حجة الإسلام لأن ذلك الإحرام الذي باشره في حالة الصغر كان تخلقا ولم يكن لازما عليه فيتمكن من فسخه بتجديد الإحرام وهذا بخلاف العبد فإنه لو أعتقه المولى بعد ما أحرم لا يجزئه عن حجة الإسلام وإن جدد الإحرام بعد العتق لأن إحرام العبد لازم في حقه لكونه مخاطبا فلا يتمكن بعد العتق من فسخ ذلك الإحرام وإنما طريق خروجه من ذلك الإحرام أداء الأفعال فسواء جدد التلبية أو لم يجدد فهو باق في ذلك الإحرام فلا يجزئه عن حجة الإسلام بخلاف الصبي على ذكرنا وإن أعتق العبد قبل أن يحرم ثم أحرم بحجة الإسلام أجزأه لأن شرط الوجوب تقرر في حقه بالعتق فلهذا يجزئه عن حجة الإسلام .
قال وإذا دخل الرجل " مكة " بغير إحرام فوجب عليه حجة أو عمرة فأهل بها بعد سنة في وقت غير وقته الأول هو أقرب منه قال يجزيه ولا شيء عليه لأنه في السنة الأولى لو أحرم من هذا الميقات أجزأه عما يلزمه لدخول " مكة " وجعل هذا كعوده إلى الميقات الأول فكذلك في السنة الثانية إذا جاء إلى هذا الميقات لأن من حصل عند ميقات فحكمه حكم أهل ذلك الميقات والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب