قال " بلغنا عن النبي - A - أنه وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل " الشام " جحفة ولأهل " نجد " قرن ولأهل اليمين يلملم ولأهل " العراق " ذات عرق " وهذا الحديث مروي عن " عائشة " - Bها - فأما " ابن عباس " روى الحديث وذكر المواقيت الأربعة ولم يذكر ذات عرق لأهل " العراق " و " ابن عمر " - Bه - روى الحديث وذكر المواقيت الثلاث ولم يذكر ذات عرق ولا يلملم وفي هذه الآثار دليل على أن كل من وصل إلى شيء من هذه المواقيت وهو يريد دخول " مكة " يلزمه الإحرام لأن توقيت النبي - A - لا يخلو عن فائدة ولا فائدة في هذه المواقيت سوى المنع من تأخير الإحرام بعد ما انتهى إلى هذه المواقيت فإن قيل ذلك كان يسعه التأخير بالاتفاق .
و " الشافعي " C تعالى لظاهر الحديث يقول : الأفضل أن يكون إحرامه عند الميقات وعلماؤنا رحمهم الله تعالى قالوا : التأقيت لبيان أنه لا يسعه التأخير عنه فأما الأفضل أن يحرم قبل أن ينتهي إلى المواقيت " لحديث " أم سلمة " رضي الله تعالى عنها أن النبي - A - قال من أحرم من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفرت له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر ووجبت له الجنة " وقال " علي " و " ابن مسعود " - رضي الله تعالى عنهما - في تفسير قوله تعالى : { " وأتموا الحج والعمرة لله " } أن إتمامهما أن يحرم بهما من دويرة أهله قال : و " بلغنا عن النبي - A - أنه قال من وقتنا له وقتا فهو له وقت " ولمن مر به من غير أهله ممن أراد الحج والعمرة ففي هذا دليل أن كل من ينتهي إلى الميقات على قصد دخول " مكة " أن عليه أن يحرم من ذلك الميقات سواء كان من أهل ذلك الميقات أو لم يكن ألا ترى أن من دخل " مكة " من أهل الآفاق حلالا فأراد أن يحرم بالحج كان ميقاته للإحرام ميقات أهل " مكة " فكذا هنا ثم أخذ " الشافعي " - C تعالى - بظاهر هذا الحديث فقال : إنما يجب الإحرام عند الميقات على من أراد دخول " مكة " للحج أو العمرة وأما من أراد دخولها لقتال فليس عليه الإحرام عنده قولا واحدا لأن النبي - A - دخلها يوم الفتح بغير إحرام وإن أراد دخولها للتجارة أو طلب غريم له فله فيه قولان : .
في أحد قوليه لا يلزمه الإحرام لأن الإحرام غير مقصود لعينه بل لأداء النسك وهذا الرجل غير قاصد أداء النسك فكان الحرم في حقه كسائر البقاع فكان له أن يدخلها بغير إحرام فأما عندنا ليس لأحد ينتهي إلى الميقات إذا أراد دخول " مكة " أن يجاوزها إلا بإحرام سواء كان من قصده الحج أو القتال أو التجارة " لحديث " ابن شريح الخزاعي " - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - A - قال : في خطبته يوم الفتح : إن " مكة " حرام حرمها الله تعالى يوم خلق السموات والأرض لم تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة " فقد ترخص للقتال رسول الله - A - فقال : إنما أحلت لي ساعة فلا تحل لأحد بعده فيتبين بهذا الحديث خصوصية النبي - A - بدخول " مكة " للقتال بغير إحرام وإنما تظهر الخصوصية إذا لم يكن لغيره أن يصنع كصنيعه و " جاء رجل إلى " ابن عباس " - رضي الله تعالى عنهما - فقال : إني جاوزت الميقات من غير إحرام فقال : ارجع إلى الميقات ولب وإلا فلا حج لك فإني سمعت رسول الله - A - يقول : لا يجاور الميقات أحد إلا محرما ولأن وجوب الإحرام على من يريد الحج والعمرة عند دخول " مكة " لإظهار شرف تلك البقعة " وفي هذا المعنى من يريد النسك ومن لا يريد النسك سواء فليس لأحد ممن يريد دخول " مكة " أن يجاوز الميقات إلا محرما فأما من كان وراء الميقات إلى " مكة " فله أن يدخلها لحاجته بغير إحرام عندنا وفي أحد قولي " الشافعي " - C تعالى - فليس له ذلك فإنه لا يفرق على أحد القولين بين أهل الميقات وأهل الآفاق في أنه لا يدخل أحد منهم " مكة " إلا محرما وحجتنا في ذلك " حديث " ابن عباس " - Bهما - أن النبي - A - رخص للحطابين أن يدخلوا " مكة " بغير إحرام والظاهر أنهم لا يجاوزون الميقات " فدل أن كل من كان داخل الميقات له أن يدخل " مكة " بغير إحرام و " ابن عمر " Bه خرج من " مكة " يريد المدينة فلما انتهى إلى قديد بلغته فتنة بالمدينة فرجع إلى " مكة " ودخلها بغير إحرام وكان المعنى فيه أن من كان داخل الميقات فهو بمنزلة أهل " مكة " لأنه محتاج إلى الدخول في كل وقت ولأن مصالحهم متعلقة بأهل " مكة " ومصالح أهل " مكة " متعلقة بهم فكما يجوز لأهل " مكة " أن يخرجوا لحوائجهم ثم يدخلوها بغير إحرام فكذا لأهل الميقات وهذا لأنا لو ألزمناهم الإحرام في كل وقت كان عليهم من الضرر ما لا يخفى فربما يحتاجون إليه في كل يوم فلهذا جوزنا لهم الدخول بغير إحرام إلا إذا أرادوا النسك فالنسك لا يتأدى إلا بالإحرام وإرادة النسك لا تكون عند كل دخول وإذا أراد الإحرام وأهله في الوقت أو دون الوقت إلى " مكة " فوقته من أهله حتى لو أحرموا من الحرم أجزأهم وليس عليهم شيء لأن خارج الحرم كله بمنزلة مكان واحد في حقه والحرم حد في حقه بمنزلة الميقات في حق أهل الآفاق وكما أن ميقات الآفاقي للإحرام من دويرة أهله ويسعه التأخير إلى الميقات فكذا هنا يسعه التأخير إلى الحرم ولكن الشرط هناك أن لا يجاوز الميقات إلا محرما والشرط هنا أن لا يدخل الحرم إلا محرما لأن تعظيم الحرم بهذا يحصل فإن دخل " مكة " قبل أن يحرم فأحرم منها فعليه أن يخرج من الحرم فيلبي فإن لم يفعل حتى يطوف بالبيت فعليه دم لأنه ترك الميقات المعهود في حقه للإحرام فهو بمنزلة الآفاقي يجاوز الميقات بغير إحرام ثم يحرم وراء الميقات وهناك يلزمه الدم إذا لم يعد لتأخير الإحرام عن مكانه فكذلك هنا يلزمه الدم إذا لم يعد إلى الحل وإن عاد فالخلاف فيه مثل الخلاف في الآفاقي إذا عاد إلى الميقات بعد ما أحرم وراء الميقات على ما نبينه بعد هذا إن شاء الله تعالى .
قال وإن أراد الكوفي بستان بني عامر لحاجة فله أن يجاوز الميقات غير محرم لأن وجوب الإحرام عند الميقات على من يريد دخول " مكة " وهذا لا يريد دخول " مكة " إنما يريد البستان وليس في تلك البقعة ما يوجب التعظيم لها فلهذا لا يلزمه الإحرام فإذا حصل بالبستان ثم بدا له أن يدخل " مكة " لحاجة له كان له أن يدخلها بغير إحرام لأنه لما حصل بالبستان حلالا كان مثل أهل البستان ولأهل البستان أن يدخلوا " مكة " لحوائجهم من غير إحرام فكذلك هذا الرجل وهذا هو الحيلة لمن يريد دخول " مكة " من أهل الآفاق بغير إحرام إلا أنه روي عن " أبي يوسف " - C تعالى - أنه إن نوى الإقامة بالبستان خمسة عشر يوما وكان له أي يدخل وإن نوى الإقامة بالبستان دون خمسة عشر يوما ليس له أن يدخل " مكة " إلا بإحرام لأن بنية الإقامة خمسة عشر يوما يصير متوطنا بالبستان فيصير بمنزلة أهل البستان وإن نوى المقام بها دون خمسة عشر يوما فهو ماض على سفره فلا يدخل " مكة " إلا بإحرام وجه ظاهر الرواية وهو أنه حصل بالبستان قبل قصده دخول " مكة " فإنما قصد دخول " مكة " بعد ما حصل بالبستان فكان حاله كحال أهل البستان .
قال وليس للرجل من أهل المواقيت ومن دونها إلى " مكة " أن يقرن أو أن يتمتع وهو في ذلك بمنزلة أهل " مكة " أما المكي فلأنه ليس له أن يتمتع بالنص لأن الله تعالى قال في ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واختلف العلماء - رحمهم الله تعالى - في حاضري المسجد الحرام : فقال " مالك " - C تعالى - : هم أهل " مكة " خاصة .
وقال " الشافعي " - C تعالى - : هم أهل " مكة " ومن يكون منزله من " مكة " على مسيرة لا يجوز فيها قصر الصلاة .
وقلنا أهل المواقيت ومن دونها إلى " مكة " من حاضري المسجد الحرام بمنزلة أهل " مكة " بدليل أنه يجوز لهم دخول " مكة " بغير إحرام فلا يكون لهم أن يتمتعوا وكما لا يتمتع من هو من حاضر المسجد الحرام فكذلك لا يقرن بين الحج والعمرة وعند " الشافعي " - C تعالى - يجوز له القران من قبل أن القارن على قوله يترفه بإدخال عمل أحد النسكين في الآخر والمكي في هذا وغيره سواء وعندنا معنى الترفه بالقران والتمتع في أداء النسكين في سفر واحد لا في إدخال عمل أحدهما في الآخر ومن كان من حاضري المسجد الحرام فهو غير محتاج إلى السفر لأداء النسك ولا يلحقه بالسفر كثير مشقة فكما لا يكون له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج فكذلك لا يكون له أن يقرن بينهما عندنا إلا أن المكي إذا كان بالكوفة فلما انتهى إلى الميقات قرن بين الحج والعمرة فأحرم لهما صح ويلزمه دم القران لأن صفة القارن أن تكون حجته وعمرته متقارنتين يحرم بهما جميعا معا وقد وجد هذا في حق المكي ولو اعتمر هذا المكي في أشهر الحج ثم حج من عامه ذلك لا يكون متمتعا لأن الآفاقي إنما يكون متمتعا إذا لم يلم بأهله بين النسكين إلماما صحيحا والمكي هنا يلم بأهله بين النسكين حلالا إن لم يسق الهدي وكذلك إن ساق الهدي لا يكون متمتعا بخلاف الآفاقي إذا ساق الهدي ثم ألم بأهله محرما كان متمتعا لأن العود هناك مستحق عليه فيمنع ذلك صحة إلمامه بأهله وهنا العود غير مستحق عليه وإن ساق الهدي فكان إلمامه بأهله صحيحا فلهذا لم يكن متمتعا وعلى هذا روى هشام عن " أبي يوسف " - رحمهما الله تعالى - : أن المكي إذا خرج إلى الكوفة ثم مات وأوصى بأن يحج عنه من منزله وهو " بمكة " بمنزلة الآفاقي يخرج مسافرا فيوصي بأن يحج عنه ولو أوصى هذا المكي بأن يقرن عنه من الكوفة لأن القران لا يكون من " مكة " فعرفنا أن مراده أن يقرن عنه من حيث هو .
قال والمكي إذا خرج من " مكة " لحاجة له فلم يجاوز الوقت فله أن يدخل " مكة " بغير إحرام وإن جاوز لم يكن له أن يدخل " مكة " إلا بإحرام لما بينا أن من قصد إلى موضع فحاله في حكم الإحرام كحال أهل ذلك الموضع .
قال ووقت أهل " مكة " للإحرام بالحج الحرم وكذلك كل من حصل " بمكة " حلالا لما " روي أن النبي - A - لما أمر أصحابه - رضي الله تعالى عنهم - بفسخ إحرام الحج بالعمرة فحلوا منها فلما كان يوم التروية أمرهم بأن يحرموا بالحج من جوف " مكة " . " .
قال وإذا مات أحد الشركاء في البدنة أو الأضحية فرضي وارثه أن يذبحها معهم عن الميت أجزأهم وهو الاستحسان وفي القياس لا يجوز لأن الميت إذا لم يوص بأن يذبح عنه فقد انقطع حكم القربة عن نصيبه فصار ميراثا لوارثه والوارث لم يقصد التقرب بذبحه عن نفسه فخرج ذلك القدر من أن يكون قربة وهذا لأن التقرب بالذبح تقرب بطريق الإتلاف وذلك لا يجوز عن الميت بغير أمره كالعتق ولكنه استحسن فقال يجوز لأن المقصود هو التقرب وتقرب الوارث بالتصدق عن الميت صحيح وإن لم يوص به فكذلك تقربه بإيفاء ما قصد المورث في نصيبه بإراقة الدم فالتصدق به يكون صحيحا .
قال وميقات إحرام أهل " مكة " للعمرة التنعيم أو غيره من الحل لأن موضع الإحرام غير موضع أداء النسك وأداء الحج يكون بالوقوف وهو في الحل فالإحرام به يكون في الحرم وأداء نسك العمرة بالطواف وهو في الحرم فالإحرام بها يكون في الحل .
قال كوفي جاوز الميقات نحو " مكة " ثم أحرم بالحج ووقف " بعرفة " جاز حجه وعليه دم لترك الوقت لأنه لما انتهى إلى الميقات وجب عليه الإحرام بالحج من الميقات لما " روي عن " ابن عباس " - Bه - عن النبي - A - أنه قال : لا يجاوز الميقات أحد إلا محرما " فإذا جاوزه حلالا فقد ارتكب المنهي وأخر الإحرام عن الميقات فتمكن نقصان في حجه ونقصان الحج يجبر بالدم فإن رجع إلى الميقات ولبى إن رجع قبل أن يحرم وأحرم بالحج من الميقات فلا شيء عليه بالاتفاق لأنه تلافي المتروك في وقته ومكانه فصار في الحكم كأنه لم يجاوز الميقات إلا محرما فإن الواجب عليه أداء الحج بإحرام يباشره من الميقات وقد أتى بذلك وإن كان أحرم بعد ما جاوز الميقات ثم عاد إلى الميقات فعلى قول " أبي حنيفة " - C تعالى - إن لبى عند الميقات يسقط عنه الدم وإن لم يلب لم يسقط عنه الدم وعندهما يسقط عنه الدم في الحالين جميعا وعند " زفر " - C تعالى - لا يسقط عنه الدم في الوجهين لأن المستحق عليه إنشاء الإحرام بالحج من الميقات فإذا أحرم بعد ما جاوز الميقات فقد ترك ما هو المستحق عليه فلزمه الدم كما لو لم يعد وهذا لأن الواجب عليه بإنشاء تلبية واجبة عند الميقات ووجوب التلبية عند الإحرام لا بعده فهو وإن لبى عند الميقات فإنما أتى بتلبية غير واجبة فلا يصير به متداركا لما فاته بخلاف ما إذا عاد فأحرم من الميقات و " أبو يوسف " و ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - يقولان : الواجب عليه أن يكون محرما عند الميقات لا أن ينشئ الإحرام عند الميقات ألا ترى أنه لو أحرم قبل أن ينتهي إلى الميقات ثم مر بالميقات محرما ولم يلب عند الميقات لا يلزمه شيء وكذلك إذا عاد إلى الميقات بعد ما أحرم ولم يلب فقد تدارك ما هو واجب عليه وهو كونه محرما عند الميقات واستدل " أبو حنيفة " - C تعالى - بقول " ابن عباس " - Bهما - أنه قال : لذلك الرجل ارجع إلى الميقات وإلا فلا حج لك والمعنى فيه أنه لما انتهى إلى الميقات حلالا وجب عليه التلبية عند الميقات . والإحرام فإذا ترك ذلك بالمجاوزة حتى أحرم وراء الميقات ثم عاد فإن لبى فقد أتى بجميع ما هو المستحق عليه فيسقط عنه الدم وإن لم يلب فلم يأت بجميع ما استحق عليه وهذا بخلاف من أحرم قبل أن ينتهي إلى الميقات لأن ميقاته هناك موضع إحرامه وقد لبى عنده فقد خرج الميقات المعهود من أن يكون ميقاتا للإحرام في حقه فلهذا لا يضره ترك التلبية عنده بخلاف ما نحن فيه على ما بينا .
( يتبع . . . )