( تابع . . . 2 ) : قال Bه رجل دفع مالا إلى رجل ليحج به عن الميت فلم .
قال وكل دم يلزم المجهز يعني الحاج عن الغير فهو عليه في ماله لأنه إن كان دم نسك فإقامة المناسك عليه وإن كان دم كفارة فالجناية وجدت منه وإن كان دما وجب بترك واجب فهو الذي ترك ما كان واجبا عليه فلهذا كانت هذه الدماء عليه في ماله إلا دم الإحصار فإنه في مال المحجوج عنه في قول " أبي حنيفة " و ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - وقال " أبو يوسف " - C تعالى - : هو على الحاج أيضا لأن وجوبه لتعجيل الإحلال فيكون قياس الدم الواجب بالجماع في معنى القران لأنه مشروع للتحلل وهما احتجا وقالا دم الإحصار للخروج عن الإحرام وهو بمباشرة الإحرام كان عاملا للميت فكان الميت هو المدخل له في هذا حكما فعليه إخراجه كما بينا في العبد إذا أحرم بإذن مولاه ثم أحصر كان عليه إخراجه توضيحه أن دم الإحصار بمنزلة نفقة الرجوع ونفقة الرجوع في مال الميت وكان الحاج هو المنتفع به فكذلك دم الإحصار في ماله وإن كان الحاج هو المنتفع به ثم يرد ما بقي من المال على وصي الميت فيحج به إنسانا من حيث يبلغ ولا ضمان عليه فيما أنفق لأنه لم يكن مخالفا لأمر الميت فيما أنفق ألا ترى أنه لو مات في الطريق لم يضمن ما أنفق فكذلك إذا أحصر وقوله من حيث يبلغ يعني إذ كان ما بقي من المال لا يمكن أن يحج به من منزل الميت فيحج به من حيث يمكن وصار هذا كما لو لم يبلغ في الابتداء ثلث ماله إلا هذا القدر فيحج به بحسب الإمكان وأصل المسألة أن من أوصى بأن يحج عنه بثلث ماله فإنما يحج من منزله لأنه لو خرج للحج بنفسه كان يخرج من منزله فكذلك يحج عنه بعد موته من منزله فإن كان ثلث ماله لا يكفي للحج من منزله يحج عنه من حيث يبلغ استحسانا وفي القياس تبطل هذه الوصية لأنه عجز الوصي عن تنفيذ ما أمر به وهو الحج من منزله فكان هذا بمنزلة ما إذا أوصي بأن يشتري نسمة بألف درهم فتعتق عنه وكان ثلث ماله دون الألف درهم تبطل الوصية وجه الاستحسان أن المقصود من الحج ابتغاء مرضاة الله تعالى ونيل الثواب فيكون بمنزلة الوصية بالصدقة وذلك ينفذ بحسب الإمكان بخلاف الوصية بالعتق فإن العبد إن كان معينا فالوصية تقع له وكذلك إن لم يكن معينا فإنما أوصى بعبد يساوي ألفا فلا يجوز تنفيذه بعبد يساوي خمسمائة فلو وجدوا من يحج عن الميت من منزله بذلك المال ماشيا لا يجوز لهم أن يحجوا من منزله وإنما يجوز من حيث يبلغ راكبا حتى قال ا " محمد " - C تعالى - في النوادر : راكب البعير في ذلك أفضل من راكب الحمار وهذا لأنه لا يلزمه أن يحج بنفسه ماشيا وإن وجد النفقة فكذلك لا يحج عنه ماشيا لأن الحاصل للميت ثوابت النفقة على ما بينا وروى " الحسن " عن " أبي حنيفة " - رحمهما الله تعالى - قال : الخيار إلى الوصي إن شاء أحج عنه من حيث يبلغ راكبا وإن شاء من منزله ماشيا لأن في أحد الجانبين زيادة في المسافة ونقصانا في النفقة وفي الجانب الآخر زيادة في النفقة ونقصان في المسافة وفي كل واحد منهما نيل الثواب فيختار الوصي أي الجانبين شاء فأما المحصر بعدما تحلل فعليه قضاء الحج والعمرة بمنزلة ما لو كان أحرم عن نفسه فتحلل بالهدي وهذا شاهد ل ا " محمد " C تعالى فإن المحصر غير مخالف ومع ذلك كان قضاء الحجة والعمرة عليه فدل أن أصل حجه عن نفسه وأن للميت ثواب النفقة فإن أمره رجلان كل واحد منهما بالحج فأهل بحجة عنهما كان ضامنا لهما جميعا لأن كل واحد منهما أمره بأن ينفق من ماله في سفر يخلص له وأن ينويه بعينه عند الإحرام وإذا لم يفعل صار مخالفا ولا يستطيع أن يجعل الحجة لواحد منهما لأنهما قد لزماه عن نفسه وهذا لأنه حين نواهما ولم يمكن تصحيح نيته عنهما لأن الحجة الواحدة لا تكون عن الاثنين وليس أحدهما بأولى من الآخر فبطلت نيته عنهما فبقيت نية أصل الإحرام فكان محرما عن نفسه فلا يستطيع أن يحوله إلى غيره من بعد وهذا بخلاف من أحرم عن أبويه كان له أن يجعله عن أيهما شاء لأنه متبرع وكان ذلك أمرا بينه وبين الله تعالى فلا يتحقق الخلاف في تركه تعيين أحدهما في الابتداء بل يجعل التعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء وهنا هو غير متبرع فيما صنع وهذا أمر بينه وبين العباد فبترك التعيين في الابتداء يصير مخالفا وإن أمره أحدهما بالحج والآخر بالعمرة ولم يأمراه بالجمع فجمع بينهما كان مخالفا أيضا لأنه ما أتي بسفر خالص لواحد منهما فلم يكن مستوجبا للنفقة في مال واحد منهما وإن أمراه بالجمع جاز لأن كل واحد منهما صرح أن مقصوده تحصيل النسك لا خلوص السفر له وقد حصل مقصود كل واحد منهما ولا ضمان عليه فيما أنفق من مالهما وهدي المتعة عليه في ماله وكذلك إن أمره بالقران رجل واحد لأن الهدي نسك وسائر المناسك على الحاج فكذا هذا النسك .
قال رجل استأجر رجلا ليحج عنه لم تجز الإجارة عندنا قال " الشافعي " C تعالى تجوز وأصل المسألة أن الاستئجار على الطاعات التي لا يجوز أداؤها من الكافر لا يجوز عندنا وعند " الشافعي " Bه كل ما لا يتعين على الأجير أداؤه يجوز الاستئجار عليه إذا كان تجزى فيه النيابة واستدل " بحديث " أبي سعيد الخدري " - Bه - حيث رقى الملدوغ بفاتحة الكتاب فأعطي قطيعا من الغنم فسأل عن ذلك رسول الله - A - فقال لمن أكل برقيه باطل لقد أكلت برقيه حق " والرقية بهذه الصفة طاعة ثم جوز أخذ البدل عليه والمعنى فيه أن الحج تجزى فيه النيابة في الأداء ولا يتعين على الأجير إقامته فيجوز استئجاره عليه كبناء الرباط والمسجد وبهذا الوصف تبين أن عمل الأجير وقع للمستأجر والدليل عليه أنه استوجب النفقة في ماله عندكم وإنما يستوجب النفقة في ماله إذا عمل له والدليل عليه أنه إذا خالف لا يستوجب النفقة عليه وإذا وقع عمله له استحق الأجر عليه بخلاف من استؤجر على الإمامة فإن عمله في الصلاة يقع له لا لغيره وكذلك من استؤجر على الجهاد فإن المجاهد يؤدي الفرض لنفسه فلا يكون عمله لغيره وحجتنا في ذلك " حديث " مرداس السلمي " Bه أن النبي - A - قال : إياك والخبز الرقاق والشرط على كتاب الله " و " حديث " أبي بن كعب " - Bه - حين علم سورة من القرآن فأعطى قوسا فقال A : أتحب أن يقوسك الله بقوس من النار فقال لا فقال صلوات الله عليه رد عليه قوسه " وفي " حديث " عثمانبن أبي العاص الثقفي " رضي الله تعالى عنه أن النبي A قال : إذا اتخذت مؤذنا فلا تأخذ على الأذان أجرا " ولأن المباشر لعمل الطاعة عمله لله تعالى فلا يصير مسلما إلى المستأجر فلا يجب الأجر عليه بخلاف بناء الرباط والمسجد فالعمل هناك ليس بعبادة محضة بدليل أنه يصح من الكافر والدليل عليه أن المؤذن والمصلي خليفة النبي - A - وهو ما كان يأخذ أجرا كما قال الله تعالى { " قل لا أسئلكم عليه أجرا " } الآية فكذلك الخليفة وأما حديث الرقية قلنا كان ذلك مالا أخذه من الحربي بطريق الغنيمة ألا ترى " أن النبي - A - قال اضربوا لي فيها بسهم " مع أن ذلك لم يكن مشروطا بعينه وعندنا ما ليس بمشروط يجوز أخذه وإذا ثبت أن الاستئجار على الحج لا يجوز قلنا العقد الذي لا جواز له بحال يكون وجوده كعدمه وإذا سقط اعتبار العقد بقي أمره بالحج فيكون له نفقة مثله في ماله وهذه النفقة ليس يستحقها بطريق العوض ولكن يستحق كفايته لأنه فرغ نفسه لعمل ينتفع به المستأجر فيستحق الكفاية في ماله كالقاضي يستحق كفايته في بيت المال والعامل يستحق الكفاية في مال الصدقة والمرأة تستحق النفقة في مال الزوج لا بطريق العوض .
قال ويجوز حجة الإسلام عن المحبوس إذا مات قبل أن يخرج لأنه قد تحقق اليأس عن الأداء بالبدن .
قال والحاج عن غيره إن شاء قال لبيك عن فلان وإن شاء اكتفى بالنية بمنزلة الحاج عن نفسه إن شاء صرح بالحج عند الإحرام وإن شاء نوى واكتفى بالنية .
قال وإن كان الميت أوصى بالقران فخرج المجهز يؤم البيت وساق هديا فقلده يكون محرما بهما جميعا لأن إحرامه عن غيره معتبر بإحرامه عن نفسه وقد بينا أن ذلك يحصل بسوق الهدي كما يحصل بالتلبية فكذلك إحرامه عن غيره وكذلك إن لم يكن الهدي لقرانه إنما هو من نذر كان عليه أو من جزاء صيد أو من جماع في إحرام قبل هذا أو إحصار كان قبل هذا فساق معه لذلك هديا بدنة وقلدها فهو محرم على قياس ما لو نوى الإحرام عن نفسه فإنه يصير محرما بتقليد هذه الهدايا وسوقها فكذلك إذا نوى الإحرام عن غيره لأن هذه الهدايا عليه في ماله على كل حال .
قال رجل أمره رجلان أن يحج عن كل واحد منهما فأهل بحجة عن أحدهما لا ينوي عن واحد منهما قال له أن يصرفه إلى أيهما شاء في قول " أبي حنيفة " و ا " محمد " رحمهما الله تعالى وقال " أبو يوسف " - C تعالى - : أرى ذلك عن نفسه وهو ضامن لنفقتهما وحجته في ذلك أنه مأمور من كل واحد منهما بتعيين النية له فإذا لم يفعل صار مخالفا كما إذا نوى عنهما جميعا بخلاف الحاج عن الأبوين فإنه غير مأمور به من جهتهما . ألا ترى أنه يصح نيته عنهما فكذلك عن أحدهما بغير عينه وهذا لأن النية بمنزلة الركن في العبادات فإن قيمة العمل تكون بالنية فبتركه تعيين النية يكون مخالفا في حق كل واحد منهما وهما قالا الإبهام في الابتداء لا يمنع من انعقاد الإحرام صحيحا والتعيين في الانتهاء بمنزلة التعيين في الابتداء . ألا ترى أنه لو أحرم لا ينوي حجة ولا عمرة بعينها كان له أن يعين في الانتهاء ويجعل ذلك كتعيينه في الابتداء وهذا لأن الإحرام بمنزلة الشرط لأداء النسك . ألا ترى أنه يصح في غير وقت الأداء ولا يتصل به الأداء فتركه نية التعيين فيه لا يجعله مخالفا وإذا عين قبل الاشتغال بعمل الأداء كان ذلك كالتعيين في الابتداء حتى أنه لو اشتغل بالطواف قبل التعيين لم يكن له أن يعين بعد ذلك عن واحد منهما لأنه لما اشتغل بالعمل تعين إحرامه عن نفسه فإن أداء العمل مع إبهام النسك لا يكون وليس أحدهما بأولى من الآخر فتعين إحرامه عن نفسه فلا يملك أن يجعله لغيره بعد ذلك .
قال وإذا أهل الرجل عن نفسه وعن ولده الصغير الذي معه ثم أصاب صيدا فعليه دم واحد ولا يجب عليه من جهة إهلاله عن ابنه شيء لأن عبارته في إهلاله عن ابنه كعبارة ابنه أن لو كان من أهله فيصير الابن محرما بهذا لا أن يصير الأب محرما عنه بقي للأب إحرام واحد فعليه جزاء واحد بخلاف القارن فهو محرم عن نفسه بإحرامين فكان عليه جزاآن .
قال وإذا أم الرجل البيت فأغمي عليه فأهل عنه أصحابه بالحج ووقفوا به في المواقف وقضوا له النسك كله قال يجزيه ذلك عن حجة الإسلام في قول " أبي حنيفة " C تعالى وقال " أبو يوسف " و ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - : لا يجزيه والقياس قولهما لأنه لم يأمر أصحابه بالإحرام عنه وليس للأصحاب عليه ولاية فلا يصير هو محرما بإحرامهم عنه لأن عقد الإحرام عقد لازم وإلزام العقد على الغير لا يكون إلا بولاية ولأن الإحرام لا ينعقد إلا بالنية وقد انعدمت النية من المغمى عليه حقيقة وحكما لأن نية الغير عنه بدون أمره لا تقوم مقام نيته والدليل عليه أن سائر المناسك لا تتأدى بأداء الأصحاب عنه فكذلك الإحرام وجه قول " أبي حنيفة " - C تعالى - وهو أنه لما عاقدهم عقد الرفقة فقد استعان بهم في كل ما يعجز عن مباشرته بنفسه والإذن دلالة بمنزلة الإذن إفصاحا كما في شرب ماء السقاية وكمن نصب القدر على الكانون وجعل فيه اللحم وأوقد النار تحته فجاء إنسان وطبخه لم يكن ضامنا لوجود الإذن دلالة وإذا ثبت الإذن قامت نيتهم مقام نيته كما لو كان أمرهم بذلك نصا وأما سائر المناسك فالأصح أن نياتهم عنه في أدائها صحيح إلا أن الأولى أن يقفوا به وأن يطوفوا به ليكون أقرب إلى أدائه لو كان مفيقا ولو أدوا عنه جاز ومن أصحابنا من فرق فقال الإحرام بمنزلة الشرط فتجزى النيابة في الشروط وإن كان لا تجزى في الأعمال . ألا ترى أن المحدث إذا غسل أعضاءه غيره كان له أن يصلي بتلك الطهارة وإن كانت النيابة لا تجزى في أعمال الصلاة توضيحه أن النيابة عند تحقق العجز ففي أصل الإحرام تحقق عجزه عنه بسبب الإغماء فينوب عنه أصحابه فأما في أداء الأعمال لم يتحقق العجز لأنهم إذا أحضروه المواقف كان هو الواقف وإذا طافوا به كان هو الطائف بمنزلة من طاف راكبا لعذر .
قال ولا يقلد إلا هدي متعة أو قران أو تطوع من الإبل والبقر دون الغنم والكلام في فصول : .
قال فإن أصاب الذي أهل عن المغمى عليه صيدا فعليه الجزاء من قبل إهلاله عن نفسه إن كان محرما وليس عليه من جهة إهلاله عن المغمى عليه شيء لما بينا أن بهذا الإهلال يصير المغمى عليه محرما كما لو كان أمره به إفصاحا فأما المهل بهذا الإهلال لا يصير محرما فلا يلزمه الجزاء باعتبار إحرامه . قال وإذا حج الرجل عن أبيه أو عن أمه حجة الإسلام من غير وصية أوصى بها الميت أجزأه إن شاء الله تعالى قال " بلغنا عن النبي A أنه قال " للخثعمية " أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه أما كان يقبل منك فقالت نعم فقال صلوات الله عليه الله أحق أن يقبل " وفي " الحديث الآخر قال - A - للتي سألته أن تحج عن أبيها : حجي واعتمري " و " أن " سعد بن أبي وقاص " رضي الله تعالى عنه قال يا رسول الله إن أمي قد توفيت وإنها كانت تحب الصدقة أفأتصدق عنها ؟ فقال : نعم " فهذه الآثار تدل على أن الوارث يتبرع على مورثه بمثل هذه القرب .
فإن قيل : فلماذا قيد الجواب بالاستثناء بعدما صح الحديث فيه .
قلنا لأن خبر الواحد لا يوجب علم اليقين .
فإن قيل : فقد أطلق الجواب في كثير من الأحكام الثابتة بخبر الواحد .
قلنا خبر الواحد موجب للعمل ففيما طريقه العمل أطلق الجواب فيه فأما سقوط حجة الإسلام عن الميت بأداء الورثة طريقه العلم فإنه أمر بينه وبين ربه تعالى فلهذا قيد الجواب بالاستثناء .
قال رجل أوصى بحجة فأحج الوصي عنه رجلا فهلكت النفقة من ذلك الرجل قال يحج عنه حجة أخرى من ثلث ما بقي من المال وهذا قول " أبي حنيفة " C تعالى فأما عند " أبي يوسف " - C تعالى - : إن بقي من ثلث مال الميت ما يمكن أن يحج به يحج عنه ثانيا وإلا فقد بطلت الوصية وعند ا " محمد " C تعالى الوصية تبطل لأن الوصي قائم مقام الموصي في تعيين المال ولو عين ال