( تابع . . . 1 ) : قال وإذا عطب الصيد بفسطاط المحرم أو بحفيرة حفرها للماء فلا شيء .
وفي رواية " هشام " عن ا ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - ما كان منه بريا فهو متوحش كالصيود يجب الجزاء بقتله على المحرم فأما الضب فليس في معنى الخمسة المستثناة لأنه لا يبتدئ بالأذى فيجب الجزاء على المحرم بقتله وكذلك الأرنب واليربوع يجب بقتلهما القيمة على المحرم فأما ما كان من هوام الأرض فلا شيء على المحرم في قتله غير أن في القنفذ روايتين عن " أبي يوسف " - C تعالى - في إحدى الروايتين قال هو نوع من الفأرة وفي رواية جعله كاليربوع فإذا بلغت قيمة شيء من هذه الحيوانات حملا أو عناقا لم يجزه الحمل ولا العناق من الهدي في قول " أبي حنيفة " - C تعالى - وأدنى ما يجزى في ذلك الجذع العظيم من الضأن أو الثني من غيرها فإن كان الواجب دون ذلك كفر بالإطعام أو الصيام وجعل هذا قياس الأضحية فكما لا يجزى هناك التقرب بإراقة دم الحمل والعناق مقصودا فكذلك هنا ولأن الواجب بالنص هنا الهدي قال الله تعالى { " هديا بالغ الكعبة " } فهو بمنزلة هدي المتعة والقران فكما لا يجزئ الحمل والعناق في هدي المتعة والقران لا يجزئ هنا و " أبو يوسف " و ا ا " محمد " و " ابن أبي ليلى " - رحمهم الله تعالى - جوزوا ذلك في جزاء الصيد استحسانا بالآثار التى جاءت به فإن الصحابة - Bهم - قالوا في الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة ولأن الرجل قد يسمي الدراهم والثوب هديا ألا ترى أن الرجل لو قال لله علي أن أهدي هذه الدراهم يلزمه أن يفعل ذلك فالحمل والعناق أولى في ذلك ولا يستقيم قياسه على هدي المتعة لأنه قياس المنصوص بالمنصوص ولأن الهدي قد يكون عناقا وفصيلا وجديا . ألا ترى أنه لو أهدى ناقة فنتجت كان ولدها هديا معها ينحر ولو كان غير هدي لكان يتصدق به كذلك قبل النحر ولكن " أبا حنيفة " - C تعالى - يقول أجوزه هديا تبعا لا مقصودا كما يجوز به التضحية تبعا لا مقصودا إذا نتجت الأضحية .
قال وفي بيض النعامة على المحرم القيمة وفي الكتاب رواه عن " عمر " و " ابن مسعود " - Bهما - أنهما أوجبا في بيض النعامة القيمة .
قال ولو أن المحرم رمى صيدا فجرحه ثم كفر عنه ثم رآه بعد ذلك فقتله فعليه كفارة أخرى لأنه صيد على حاله بعد الجرح الأول وقد انتهى حكم ذلك الجرح بالتكفير فقتله الآن جناية أخرى مبتدأة فيلزمه به كفارة أخرى وإن لم يكفر عنه في الأولى لم يضره ولم يكن عليه في ذلك شيء إذا كفر في هذه الأخيرة إلا ما نقصه الجرح الأول يريد به إذا كفر بقيمة صيد مجروح فأما إذا كفر بقيمة صيد صحيح فليس عليه شيء آخر لأن الفعلين منه جناية في إحرام واحد على محل واحد فيكون بمنزلة فعل واحد فلهذا لا يجب عليه إلا كفارة واحدة وهذا لأن حكم الفعل الأول قبل التكفير باق فيجعل الثاني إتماما له فأما بعد التكفير قد انتهى حكم الفعل الأول فيكون الفعل الثاني جناية مبتدأة .
قال محرم جرح صيدا ثم كفر عنه قبل أن يموت ثم مات أجزأته الكفارة التى أداها لأن سبب الوجوب عليه جنايته على الإحرام بجرح الصيد فإنما أدى الواجب بعد ما تقرر سبب الوجوب فإذا تم الوجوب بذلك السبب جاز المؤدى كما لو جرح مسلما ثم كفر ثم مات المجروح .
قال وإذا أحرم الرجل وله في منزله صيد لم يكن عليه إرساله عندنا وقال " الشافعي " - C تعالى - يلزمه إرساله لأنه متعرض للصيد بامساكه في ملكه وذلك حرام عليه بسبب الإحرام فيلزمه إرساله كما لو كان الصيد في يده بحضرته .
ولكنا نستدل عليه بالعادة الظاهرة لأن الناس يحرمون ولهم في بيوتهم بروج الحمامات وغيرها ولم يتكلف أحد لإرسال ذلك قبل الإحرام ولا أمر بذلك وهذا لأن المستحق عليه ترك التعرض للصيد لا إزالة الصيد عن ملكه وتعرضه إنما يتحقق إذا كان الصيد في يده بحضرته فأما إذا كان الصيد غائبا عنه في بيته لا يكون هو متعرضا له فلا يلزمه إرساله . ألا ترى أنه كما يحرم عليه التعرض للصيد يحرم عليه التطيب ولبس المخيط ولا يلزمه إخراج شيء من ذلك من ملكه .
قال وللمحرم أن يذبح الشاة والدجاجة لأن هذا ليس من الصيود فإن الصيد اسم لما يكون ممتنعا متوحشا فما لا يكون جنسه ممتنعا متوحشا لا يكون صيدا .
قال وكذلك البط الذي يكون عند الناس والمراد منه الكسكري الذي يكون في الحياض هو كالدجاج مستأنس بجنسه فأما البط الذي يطير فهو صيد يجب الجزاء فيه على المحرم والحمام أصله صيد يجب على المحرم الجزاء في كل نوع منه وقال " مالك " - C تعالى - ليس في المسرول من الحمام شيء على المحرم لأنه مستأنس لا يفر من الناس ولكنا نقول الحمام بجنسه ممتنع متوحش فكان صيدا وإن كان بعضه قد استأنس كالنعامة وحمار الوحش وغيرهما .
قال والذي يرخص للمحرم من صيد البحر هو السمك خاصة فأما طير البحر لا يرخص فيه للمحرم ويجب الجزاء بقتله وهذا لأن الله تعالى أباح صيد البحر مطلقا بقوله D { أحل لكم صيد البحر } فالمحرم والحلال فيه سواء ولأن المحرم بالنص قتل الصيد على المحرم والقتل في صيد البحر لا يتحقق ولأن صيد البحر ما يكون بحري الأصل والمعاش كالسمك فأما الطير فهو بري الأصل بحري المعاش لأن توالده يكون في البر دون الماء فيكون من صيد البر . ألا ترى أن ما يكون مائي الأصل وإن كان قد يعيش في البر كالضفدع جعل مائيا باعتبار أصله حتى لا يجب على المحرم بقتله شيء فكذلك ما يكون بري الأصل لا يرخص للمحرم فيه .
قال محرم اصطاد ظبية فولدت عنده قبل أن يحل أو بعد ما حل ثم ذبحها وولدها في الحل أو في الحرم فعليه جزاؤهما جميعا لأنه حين أخذ الظبية وجب عليه أرسالها لإزالة جنايته وذلك حق مستحق عليه في الحل شرعا فيسري إلى الولد ويجب عليه إرسال ولدها معها وما كان من الحق المستحق عليه فيهما شرعا فلهذا وجب عليه جزاؤهما جميعا . ألا ترى أنه لو كان الصيد مملوكا لغيره لكان الرد فيهما مستحقا عليه لحق المالك فبذبحهما يلزمه قيمتهما فهذا مثله أو أولى قال وأكره للمحرم أن يشتري الصيد وأنهاه عنه لأن الصيد في حقه محرم العين فلا يكون مالا متقوما كالخمر فلهذا لا يجوز شراؤه أصلا وإن اشتراه من محرم أو حلال فعليه أن يخلي سبيله بمنزلة ما لو أخذه فإن عطب في يده فعليه جزاؤه لجنايته على الصيد بإثبات يده عليه وأنه إتلاف لمعنى الصيدية فيه ويجب على البائع جزاؤه أيضا إن كان محرما لأنه جان على الصيد بتسليمه إلى المشتري مفوت لما كان مستحقا عليه من تخلية سبيله فكان ضامنا للجزاء .
قال وإن اصطاد المحرم صيدا فحبسه عنده حتى مات فعليه جزاؤه وإن لم يقتله لأنه متلف معنى الصيدية فيه معنى بإثبات يده عليه والإتلاف الحكمي بمنزلة الإتلاف الحقيقي في إيجاب الضمان عليه كما لو قطع إحدى قوائم الظبي .
قال محرم أو حلال أخرج صيدا من الحرم فإنه يؤمر برده على الحرم لأنه كان بالحرام آمنا صيدا وقد أزال ذلك الأمن عنه بإخراجه فعليه إعادة أمنه بأن يرده إلى الحرم فيرسله فيه وهذا لأن كل فعل هو متعد في فعله فعليه نسخ ذلك الفعل " قال A علي اليد ما أخذت حتى ترد " ونسخ فعله بأن يعيده كما كان .
قال فإن أرسله في الحل فعليه جزاؤه لأنه ما أعاده آمنا كما كان فإن الأمن كان ثابتا بسبب الحرم فما لم يصل إلى الحرم لا يعود إليه ذلك الأمن ولا يخرج الجاني عن عهدة فعله بمنزلة الغاصب إذا رده على غير المغصوب منه إلا أن يحيط العلم بأنه وصل إلى الحرم سالما فحينئذ يبرأ عن جزائه كما إذا وصل المغصوب إلى يد المغصوب منه .
قال وكل شيء صنعه المحرم بالصيد مما يتلفه أو يعرضه للتلف فعليه جزاؤه إلا أن يحيط علمه بأنه سلم منه فحينئذ يتم انتساخ حكم فعله وذلك بأن يجرحه فتندمل الجراحة بحيث لا يبقى لها أثر أو ينتف ريشه فينبت مكانه آخر أو يقلع سنه فينبت مكانه آخر فحينئذ لا يلزمه شيء في قول " أبي حنيفة " و ا ا " محمد " رحمهما الله تعالى - وقاسا هذا بالضمان الواجب في حق العباد فإن ذلك يسقط إذا لم يبق للفعل أثر في المحل فكذا هنا وقال " أبو يوسف " - C تعالى - يلزمه صدقة باعتبار ما أوصل من الألم إلى الصيد لأن باندمال الجراحة لم يتبين أن الألم لم يصل إليه . وقد روي عن " أبي يوسف " - C تعالى - اعتبار الألم أيضا في الجناية على حقوق العباد حتى أوجب على الجاني ثمن الدواء وأجرة الطبيب إلى أن تندمل الجراحة .
قال ولا ينبغي للحلال أن يعين المحرم على قتل الصيد لأن فعل المحرم معصية والإعانة على المعصية معصية فقد سمى رسول الله - A - المعين شريكا ولأن الواجب عليه أن يأمره بالمعروف وينهاه عن التعرض للصيد فإذا اشتغل بالإعانة فقد أتى بضد ما هو واجب عليه فكان عاصيا فيه ولكن ليس عليه شيء سوى الاستغفار لأن الاصطياد ليس بحرام عليه إنما المحرم عليه الإعانة على المعصية وذلك موجب للتوبة .
قال وكذلك لا ينبغي له أن يشتريه منه لأن بيعه حرام على المحرم ولأن في امتناعه عن الشراء زجر للمحرم عن اصطياده فإنه تقل رغبته في الاصطياد إذا علم أنه لا يشترى منه الصيد وسواء أصاب المحرم الصيد عمدا أو خطأ فعليه الجزاء عندنا وهو قول " عمر " و " عبدالرحمن بن عوف " و " سعد بن أبي وقاص " - Bه - وقال " ابن عباس " - Bهما - ليس على المحرم في قتل الصيد خطأ جزاء لظاهر قوله تعالى { " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " } المائدة : 95 فالتقييد بالعمدية لإيجاب الجزاء يمنع وجوبه على المخطئ ولكنا نقول هذا ضمان يعتمد وجوبه الإتلاف فيستوي فيه العامد والخاطئ كغرامات الأموال وهذه كفارة تجب جزاء للفعل فيكون واجبا على المخطئ كالكفارة بقتل المسلم وهذا لأن الله تعالى حرم على المحرم قتل الصيد مطلقا وارتكاب ما هو محرم بسبب الإحرام موجب للجزاء عمدا كان أو خطأ فأما تقييده بالعمد في الآية فليس لأجل الجزاء بل لأجل الوعيد المذكور في آخر الآية بقوله D " ليذوق وبال أمره " إلى قوله ومن عاد فينتقم الله منه وهذا الوعيد على العامد دون المخطئ ثم ذكر العمد هنا للتنبيه لأن الدلالة قد قامت على أن صفة العمدية في القتل مانعة من وجوب الكفارة لتمحض الحظرية فذكره الله هنا حتى يعلم أنه لما وجبت الكفارة هنا إذا كان الفعل عمدا وجب إذا كان خطأ بطريق الأولى وكذلك إن كان هذا القتل أول ما أصاب أو أصاب قبله شيئا فعليه الجزاء في الوجهين جميعا . وكان " ابن عباس " - Bه - يقول : يجب الجزاء على المبتدئ بقتل الصيد فأما العائد إليه لا يلزمه الجزاء ولكن يقال له اذهب فينتقم الله منك لظاهر قوله تعالى { " ومن عاد فينتقم الله منه " } المائدة : 95 ولكنا نقول أن الإتلاف لا يختلف بين الابتداء والعود إليه وجزاء الجناية يجب عند العود إليها بطريق الأولى لأن جناية العائد أظهر من جناية المبتدئ بالفعل مرة فأما الآية فالمراد من عاد بعد العلم بالحرمة كما في قوله تعالى في آية الربا { " ومن عاد فأولئك أصحاب النار " } البقرة : 275 يعنى من عاد إلى المباشرة بعد العلم بالحرمة لا أن يكون المراد العود إلى القتل بعد القتل .
قال وإذا قتل الحلال الصيد في الحرم فعليه قميته إلا على قول أصحاب الظواهر وهذا قول غير معتد به لكونه مخالفا للكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى { " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " } يقال في اللغة إحرم إذا دخل في الحرم كما يقال أشتى إذا دخل في الشتاء و " قال A إن " مكة " حرام حرمها الله تعالى يوم خلق السموات والأرض لا يختلي خلالها ولا يعضد شوكها ولا ينفر صيدها " فإذا ثبت أمن صيد الحرم بهذه النصوص كان القاتل جانيا بإتلافه محلا محترما متقوما فيلزمه جزاؤه والجزاء قيمة الصيد كما في حق المحرم إلا أن المذهب عندنا أن جزاء صيد الحرم يتأدى بإطعام المساكين ولا يتأدى بالصوم وفي التأدي بالهدي روايتان .
وعلى قول " زفر " - C تعالى - يتأدى بالصوم أيضا والمذهب عنده أن الواجب هنا الكفارة كالواجب على المحرم لأن الوجوب لمحض حق الله تعالى فيكون الواجب جزاء الفعل بطريق الكفارة بمنزلة ما يجب على المحرم فكما أن ذلك يتأدى بالصوم إذا لم يجد المال عنده فكذلك هنا .
( يتبع . . . )