الأصل في وجوب صدقة الفطر " حديث " ابن عمر " أن رسول الله A فرض صدقة الفطر على كل حر وعبد ذكر أو أنثى صغيرا أو كبيرا صاعا من تمر وصاعا من شعير " وحديث " عبدالله بن ثعلبة العذري " ويقال العبدري الذي بدأ به " محمد " C تعالى الباب فقال خطبنا رسول الله A فقال أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير و " حديث " ابن عباس " Bه أنه خطب " بالبصرة " فقال أدوا زكاة فطركم فنظر الناس بعضهم إلى بعض فقال من هنا من أهل " المدينة " قوموا رحمكم الله فعلموا إخوانكم فإنهم لا يعلمون كان رسول الله A يأمرنا في هذا اليوم أن نؤدي صدقة الفطر عن كل حر وعبد نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير .
ثم " الشافعي " C تعالى أخذ بحديث " ابن عمر " وقال إنها فريضة بناء على أصله أنه لا فرق بين الواجب والفريضة .
وعندنا هي واجبة لأن ثبوتها بدليل موجب للعمل غير موجب علم اليقين وهو خبر الواحد وما يكون بهذه الصفة يكون واجبا في حق العمل ولا يكون فرضا حتى لا يكفر جاحده إنما الفرض ما ثبت بدليل موجب للعلم .
وقيل : في قوله تعالى : " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " } الأعلى : 14 ، 15 أي تطهر بأداء زكاة الفطر وصلى صلاة العيد بعده ثم سبب وجوب صدقة الفطر رأس يمونه بولايته عليه " قال A أدوا عمن تمونون " وحرف عن للانتزاع من الشيء فيحتمل أحد وجهين : .
وإن لم يبلغ الزرع فالعشر على المشتري في قول " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى .
إما أن يكون سببا ينتزع منه الحكم أو محلا يجب عليه ثم يؤدى عنه .
وبطل الثاني لاستحالة الوجوب على العبد والكافر فتعين الأول ولأنه يتضاعف بتضاعف الرؤوس فعلم أن السبب هو الرأس وإنما يعمل في وقت مخصوص وهو وقت الفطر ولهذا يضاف إليه فيقال : صدقة الفطر والإضافة في الأصل وإن كان إلى السبب فقد يضاف إلى الشرط مجازا فإن الإضافة تحتمل الاستعارة فأما التضاعف بتضاعف الرؤوس لا يحتمل الاستعارة ثم هي عبادة فيها معنى .
صفحة [ 102 ] المؤنة ولهذا لا يشترط لوجوبه كمال الأهلية ومعنى المؤنة يرجح الرأس في كونه سببا على الوقت وإذا كان الوجوب في وقت الفطر من رمضان وهو عند طلوع الفجر من يوم الفطر يستحب أداؤه كما وجب قبل الخروج إلى المصلى " لحديث " ابن عمر " أن رسول الله A كان يأمرهم أن يؤدوا صدقة الفطر قبل أن يخرجوا إلى المصلى وقال اغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم " والمعنى أنه إذا أدى قبل الخروج تفرغ قلب الفقير عن حاجة العيال فتفرغ لأداء الصلاة .
وقيل : في يوم الفطر يستحب للمرء ستة أشياء أن يغتسل ويستاك ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويؤدي فطرته ويتناول شيئا ثم يخرج إلى المصلى .
قال : وعلى المسلم الموسر أن يؤدي زكاة الفطر عن نفسه أما اشتراط الإسلام فلان في آخر حديث " ابن عمر " Bه قال من المسلمين وقال A في زكاة الفطر طهرة للصائمين من اللغو والرفث . وقال " عمر " Bه الصوم محبوس بين السماء والأرض حتى تؤدي زكاة الفطر ولأنها عبادة فلا تجب إلا على من هو أهل لثوابها وهو المسلم .
وأما اشتراط اليسار فقول علمائنا .
وقال " الشافعي " C تعالى من ملك قوت يومه وزيادة بقدر ما يؤدي زكاة الفطر فيؤدي زكاة الفطر لأنه ذكر في آخر حديث " ابن عمر " Bه غني أو فقير ولأنه واجد لما يتصدق به فضلا عن حاجته فيلزمه الأداء كالموسر وهذا لأن صدقة الفطر تشبه الكفارة دون الزكاة حتى لا يعتبر فيها الحول وفي الكفارة يعتبر تيسر الأداء دون الغنى فكذلك في زكاة الفطر .
ولنا " قوله A لا صدقة إلا عن ظهر غنى " ولأن الفقير محل الصرف إليه فلا يجب عليه الأداء كالذي لا يملك إلا قوت يومه وهذا لأن الشرع لا يرد بما لا يفيد فلو قلنا بأنه يأخذ من غيره ويؤدي عن نفسه كان اشتغالا بما لا يفيد وحديث " ابن عمر " Bه محمول على ما كان في الابتداء ثم انتسخ " بقوله A إنما الصدقة ما كانت عن ظهر غنى أو ما أبقت غنى أو هو محمول على الندب فإنه قال في آخره أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيعطيه الله أفضل مما أعطى " ثم اليسار المعتبر لإيجاب زكاة الفطر أن يملك مائتي درهم أو ما يساوي مائتي درهم من الدراهم التي تغلب النقرة فيها على الغش فضلا عن حاجته ويتعلق بهذا اليسار أحكام ثلاثة : حرمة أخذ الصدقة ووجوب زكاة الفطر والأضحية . وكما يؤدي عن نفسه فكذلك يؤدي عن أولاده الصغار لأن رأس أولاده في معنى رأسه فإنه يمونهم بولايته وقد بينا أن سبب الوجوب هذا وكذلك يؤدي عن مماليكه للخدمة .
صفحة [ 103 ] لأنه يمونهم بولايته عليهم القن والمدبر وأم الولد في ذلك سواء فإن ولايته عليهم لا تنعدم بالتدبير والاستيلاد إنما تستحيل المالية بهذا السبب ولا عبرة للمالية فإنه يؤدي عن نفسه وعن أولاده الصغار ولا مالية فيهم ما خلا مكاتبيه فإنه لا يؤدي عنهم لأن ولايته عليهم قد اختلت بسبب الكتابة فإن المكاتب صار بمنزلة الحر في حق اليد والتصرف .
وحكي عن عطاء أنه يؤدي عنهم " لقوله A أدوا عن كل حر وعبد " . وقال : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم .
ولكنا نستدل " بقوله A أدوا عمن تمونون " وهو لا يمون المكاتب وعن " ابن عمر " Bه أنه كان يؤدي زكاة الفطر عن جميع مماليكه إلا المكاتبين له وليس على المكاتب أن يؤدي عن نفسه ولا عن مماليكه إلا على قول " مالك " C تعالى فإنه يجعل المكاتب مالكا لكسبه بناء على أصله أن المملوك من أهل ملك المال إذا ملكه المولى .
وعندنا المملوك مال ليس من أهل ملك المال للتضاد بين المالكية وبين المملوكية والمكاتب ليس بمالك لكسبه على الحقيقة وقد بينا أن شرط الوجوب الغنا وذلك لا يثبت بدون حقيقة الملك والدليل عليه إباحة الأخذ له وإن كان في يده كسب .
قال : ويؤدي المسلم عن مملوكه الكافر عندنا وقال " الشافعي " C تعالى لا يؤدى عنه وهذه المسألة تنبني على أصل وهو أن الوجوب عندنا على المولى عن عبده فتعتبر أهلية المولى وعنده الوجوب على العبد ثم يتحمل المولى عنه فيعتبر كون العبد أهلا للوجوب عليه وهو يستدل لإثبات هذا الأصل " بحديث " ابن عمر " أن النبي A فرض صدقة الفطر على كل حر وعبد " ولأنها طهرة للصائم ووجوب الصوم على العبد .
وقيل : صدقة الفطر للصوم كسجود السهو للصلاة والسجود يجب على المصلي لا على غيره .
وقال " ابن عمر " في صدقة الفطر ثلاثة أشياء : قبول الصوم والفلاح والنجاة من سكرات الموت وعذاب القبر .
ولنا " قوله E أدوا عمن تمونون " فإنما الوجوب على من خوطب بالأداء وجعله بمنزلة النفقة ونفقة المملوك على المولى فكذلك صدقة الفطر عنه ثم هذه صدقة واجبة باعتبار ملكه فكانت عليه ابتداء كزكاة المال عن عبد التجارة وهذا لأن حال العبد دون حال فقير لا يملك شيئا لأن ذلك الفقير من أهل الملك والعبد لا فإذا لم تجب على الفقير الذي لا يملك شيئا فلأن لا تجب على العبد أولى والدليل عليه أنه لا يخاطب بالأداء بحال بخلاف الصغير الذي له مال فإنه يخاطب بالأداء بعد البلوغ إذا لم يؤده عنه وليه وحرف على في حديث " ابن عمر " بمعنى .
صفحة [ 104 ] حرف عن قال الله تعالى : " إذا اكتالوا على الناس يستوفون " } المطففين : 2 أي عن الناس ولا معتبر بالصوم فإنه يجب على الرضيع ولا صوم عليه وعلى سبيل الابتداء في المسألة لنا حديث " نافع " عن " ابن عمر " ومقسم عن " ابن عباس " Bهما أن " النبي A قال أدوا عن كل حر وعبد يهودي أو نصراني أو مجوسي " وهو نص ولكنه شاذ وقد بينا أن السبب رأس يمونه بولايته عليه وذلك لا يختلف بكفر المملوك وإسلامه .
ولا يؤدي الكافر عن مملوكه المسلم أما عندنا فلأن الوجوب على المولى والمولى ليس بأهل له وعند " الشافعي " C تعالى تحمل المولى عن عبده يستدعي أهلية أداء العبادة والكافر ليس بأهل له والوجوب على العبد عنده باعتبار تحمل المولى الأداء عنه فإذا انعدم ذلك في حق المملوك لم يجب أصلا .
قال : وإذا كان للولد الصغير مال أدى عنه أبوه من مال الصغير في قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى وكذلك يضحى عنه من ماله استحسانا في قول " أبي حنيفة " C تعالى ذكره في كتاب الحيل .
وقال " محمد " و " زفر " رحمهما الله تعالى يؤدي من مال نفسه ولو أدى من مال الصغير ضمن وكذلك الخلاف في الوصي إلا أن عند " محمد " و " زفر " رحمهما الله تعالى الوصي لا يؤدى عنه أصلا والقياس ما قالا لأنها زكاة في الشريعة كزكاة المال فلا تجب على الصغير ولأنها عبادة والصبي ليس بأهل لوجوب العبادة عليه فإن الوجوب ينبني على الخطاب .
استحسن " أبو حنيفة " و " أبو يوسف " رحمهما الله تعالى فقالا : فيها معنى المؤنة بدليل الوجوب على الغير بسبب الغير فهو كالنفقة ونفقة الصغير في ماله إذا كان له مال ثم هذه طهرة شرعية فتقاس بنفقة الختان وهذا لأنا لو لم نوجب عليه احتجنا إلى الإيجاب على الأب فكان في الإيجاب في ماله حفظ حق الأب وهو إسقاط عنه ومال الصبي يحتمل حقوق العباد وبه فارق الزكاة .
ثم على قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى كما يؤدي عن الصغير من ماله فكذلك عن مماليك الصغير يؤدي من مال الصغير .
وعند " محمد " لا يؤدى عن مماليكه أصلا والمعتوه والمجنون في ذلك بمنزلة الصغير .
وروى عن " محمد " C تعالى أن الأب إنما يؤدي عن ابنه المعتوه والمجنون إذا بلغ كذلك فأما إذا بلغ مفيقا ثم جن فليس عليه أن يؤدي عنه من مال نفسه ولا من مال ولده لأنه إذا ولد مجنونا بقي ما كان واجبا ببقاء ولايته فأما إذا بلغ مفيقا فقد سقط عنه لزوال ولايته فلا يعود بعد ذلك وإن عادت الولاية لأجل الضرورة .
وعلى قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى السبب رأس يمونه بولايته عليه وذلك لا يختلف بالجنون الأصلي .
صفحة [ 105 ] والطارئ .
قال : وليس على الرجل أن يؤدي عن أولاده الكبار وقال " الشافعي " C تعالى ان كانوا زمنى معسرين فعليه الأداء عنهم وإن كانوا أصحاء معسرين في عياله فله فيه وجهان واستدل " بقوله A أدوا عمن تمونون " هو يمون ولده الزمن والمعسر .
وأصحابنا قالوا بأن السبب رأس يمونه بولايته عليه ليكون في معنى رأسه ولا ولاية له على أولاده الزمنى إذا كانوا كبارا وبدون تقرر السبب لا يثبت الوجوب .
قال : ولا يؤدي الجد عن نوافله الصغار وإن كانوا في عياله وروى " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى أن عليه الأداء عنهم بعد موت الأب وهذه أربع مسائل يخالف الجد فيها الأب في ظاهر الرواية ولا يخالف في رواية " الحسن " : .
أحدها : وجوب صدقة الفطر .
والثاني : التبعية في الإسلام .
والثالث : جر الولاء .
والرابع : الوصية لقرابة فلان .
وجه رواية " الحسن " : أن ولاية الجد عند عدم الأب ولاية متكاملة وهو يمونهم فيتقرر السبب في حقه .
ووجه ظاهر الرواية أن ولاية الجد منتقلة من الأب إليه فهو نظير ولاية الوصي وهذا لأن السبب إنما يتقرر إذا كان رأسه في معنى رأس نفسه باعتبار الولاية وذلك لا يتقرر في حق الجد لأن ثبوت ولايته بواسطة وولايته على نفسه ثابتة بدون الواسطة