وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وقد اختلف علماء الكلام في قبول التوبة ؛ هل هو قطعي أو ظني فيها لتفرع أقوالهم فيها على أقوالهم في مسألة وجوب الصلاح والأصلح لله تعالى ووجوب العدل . فأما المعتزلة فقالوا : التوبة الصادقة مقبولة قطعا بدليل العقل وأحسب أن ذلك ينحون به إلى أن التائب قد أصلح حاله ورغب في اللحاق بأهل الخير فلو لم يقبل الله منه ذلك لكان إبقاء له في الضلال والعذاب وهو منزه عنه تعالى على أصولهم وهذا إن أرادوه كان سفسطة لأن النظر هنا في العفو عن عقاب استحقه التائب من قبل توبته لا في ما سيأتي به بعد التوبة .
A E وأما علماء السنة فافترقوا فرقتين : فذهب جماعة إلى أن قبول التوبة مقطوع به الأدلة سمعية هي وإن كانت ظواهر غير أن كثرتها أفادت القطع " كإفادة المتواتر القطع مع أن كل خير من آحاد المخبرين به لا يفيد إلا الظن فاجتماعهما هو الذي فاد القطع وفي تشبيه ذلك بالتواتر نظر " وإلى هذا ذهب الأشعري والغزالي والرازي وابن عطية ووالده أو بكر ابن عطية وذهب جماعة إلى القبول ظني لا قطعي وهو قول أبي بكر الباقلاني وإمام الحرمين والمازري والتفتراني وشرف الدين الفهري وابن الفرس في أحكام القرآن بناء على أن كثرة الظواهر لا تفيد اليقين . وهذا الذي ينبغي اعتماده نظرا . غير أن قبول التوبة ليس من مسائل أصول الدين فلماذا نطلب في إثباته الدليل القطعي .
والذي أراه أنهم لما ذكروا القبول ذكروه على إجماله فكان اختلافهم اختلافا في حالة فالقبول يطلق ويراد به معنى رضى الله عن التائب وإثباته في زمرة التقين الصالحين وكأن هذا هو الذي نظر إليه المعتزلة لما قالوا بأن قبولهم قطعي عقلا . وفي كونه قطعيا وكونه عقلا نظر واضح ويدل لذلك أنهم قالوا : إن التوبة لا تصح إلا بعد الإقلاع عن سائر الذنوب ليتحقق معنى صلاحه . ويطلق القبول ويراد ما وعد الله به من غفران الذنوب الماضية قبل التوبة وهذا أحسبهم لا يختلفون في كونه سمعيا لا عقليا إذ العقل لا يقضي الذنوب الفارطة عند الإقلاع عن إتيان أمثالها في المستقبل وهذا هو المختلف في كونه قطعيا أو ظنيا ويطلق القبول على معنى قبول التوبة من حيث إنها في ذاتها عمل مأمور به كل مذنب أي بمعنى إبطال الإصرار على الذنوب التي كان مصرا على إتيانها فإن إبطال الإصرار مأمور به لأنه من ذنوب القلب فيجب تطهير القلب منه فالتائب من هذه الجهة يعتبر ممتثلا لأمر شرعي فالقبول بهذا المعنى قطعي لأنه صار بمعنى الأجزاء . ونحن نقطع بأن من أتى عملا مأمورا به بشروطه كان عملا مقبولا بمعنى ارتفاع آثار النهي عنه ولكن الظن في حصول الثوابت على ذلك . ولعل هذا المعنى هو الذي نظر إليه الغزالي إذ فال في كتاب التوبة " إنك إذا فهمت معنى القبول لم تشك في أن كل توبة صحيحة هي مقبولة إذ القلب خلق سليما في الأصل إذ كل مولود يولد على الفطرة وإنما تفوته السلامة بكدرة ترهقه من غبرة الذنوب وأن نور الندم يمحو عن القلب تلك الظلمة كما يمحو الماء والصابون عن الثوب الوسخ . فمن توهم أن التوبة تصح ولا تقبل كمن توهم أن الشمس تطلع والظلام لا يزول أو أن الثوب يغسل والوسخ لا يزول نعم قد يقول التائب باللسان تبت ولا يقلع . فذلك كقول القصار بلسانه غسلت الثوب وهو لم يغسله فذلك لا ينظف الثوب " . وهذا الكلام تقريب إقناعي . وفي كلامه نظر بين لأنا إنما نبحث عن طرح عقوبة ثابتة هل حدثان التوبة يمحوها .
والإشارة في المسند إليه في قوله ( فأولئك يتوب الله عليهم ) للتنبيه استحضارهم باعتبار الأوصاف المتقدمة البالغة غاية الخوف من الله تعالى والمبادرة إلى طلب مرضاته ليعرف أنهم أحرياء بمدلول المسند الوارد بعد الإشارة نظير قوله تعالى ( أولئك على هدى من ربهم ) والمعنى : هؤلاء هم الذين جعلهم الله مستحقين قبول التوبة منهم وهو تأكيد لقوله " إنما التوبة على الله " إلى آخره .
وقوله ( وليست التوبة ) الخ تنبيه على نفي القبول عن نوع من التوبة وهي التي تكون عند اليأس من الحياة لأن المقصد من العزم ترتب آثاره عليه وصلاح الحال في هذه الدار بالاستقامة الشرعية فإذا وقع اليأس من الحياة ذهبت فائدة التوبة