وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

والتمحيص : التنقية والتخلص من العيوب . والمحق : الإهلاك . وقد جعل الله تعالى مس القرح المؤمنين والكفار فاعلا فعلا واحدا : هو فضيلة في جانب المؤمنين ورزية في جانب الكافرين فجعله للمؤمنين تمحيصا وزيادة في تزكية أنفسهم واعتبارا بمواعظ الله تعالى وجعله للكافرين هلاكا لأن ما أصابهم في بدر تناسوه وما انتصروه في أحد يزيدهم ثقة بأنفسهم فيتوكلون ؛ يظنون المسلمين قد ذهب بأسهم على أن المؤمنين في ازدياد فلا ينقصهم من قتل منهم والكفار في تناقص فمن ذهب منهم نفد . وكذلك شأن المواعظ والنذر والعبر قد تكسب بعض النفوس كمالا وبعضها نقصا قال أبو الطيب : .
فحب الجبان العيش أورده التقى ... وحب الشجاع العيش أورده الحربا .
ويختلف القصدان والفعل واحد ... إلى أن نرى إحسان هذا لنا ذنبا وقال تعالى ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم ) وقال ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) وهذا من بديع تقدير الله تعالى .
( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين [ 142 ] ) ( أم ) هنا منقطعة هي بمعنى " بل " الانتقالية لأن هذا الكلام انتقال من غرض إلى آخر وهي إذا استعملت منقطعة تؤذن بأن ما بعدها استفهام لملازمتها للاستفهام حتى قال الزمخشري والمحققون : إنها لا تفارقه واستشهدوا على مفارقتها للاستفهام بشواهد تقبل التأويل .
فقوله ( أم حسبتم ) عطف على جملة ( ولا تهنوا ) وذلك أنهم لما مسهم القرح فحزنوا واعتراهم الوهن حيث لم يشاهدوا مثل النصر الذي شاهدوه يوم بدر بين الله أن لا وجه للعلل التي تقدمت ثم بين لهم هنا : أن دخول الجنة الذي هو مرغوبهم لا يحصل إذا لم يبذلوا نفوسهم في نصر الدين فإذا حسبوا دخول الجنة يحصل دون ذلك فقد أخطئوا .
والاستفهام المقدر بعد ( أم ) مستعمل في التغليط والنهي . ولذلك جاء ب ( أم ) للدلالة على التغليط : أي لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة دون أن تجاهدوا وتصبروا على عواقب الجهاد .
ومن المفسرين من قدر ل ( أم ) هنا معادلا محذوفا وجعلها متصلة فنقل الفخر عن أبي مسلم الأصفهاني أنه قال : عادة العرب يأتون بهذا الجنس من الاستفهام توكيدا لأنه لما قال ( ولا تهنوا ولا تحزنوا ) كأنه قال : أفتعلمون أن ذلك كما تؤمرون أم حسبتم أن تدخلوا الجنة .
وجملة ( ولما يعلم الله ) الخ في موضع الحال وهي مصب الإنكار أي لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة حين لا يعلم الله الذين جاهدوا .
و ( لما ) حرف نفي أخت ( لم ) إلا أنها أشد نفيا من ( لم ) لأن ( لم ) لنفي قول القائل فعل فلان و ( لما ) لنفي قوله قد فعل فلان : قاله سيبويه كما قال : إن ( لا ) لتنفي يفعل و ( لن ) لنفي سيفعل و ( ما ) لنفي لقد فعل و ( لا ) لنفي هو يفعل . فتدل ( لما ) على اتصال النفي بها إلى زمن التكلم بخلاف ( لم ) ومن هذه الدلالة استفيدت دلالة أخرى وهي أنها تؤذن بأن المنفي بها مترقب الثبوت فيما يستقبل لأنها قائمة مقام قولك استمر النفي إلى الآن وإلى هذا ذهب الزمخشري هنا فقال : و ( لما ) بمعنى ( لم ) إلا أن فيها ضربا من التوقع وقال في قوله تعالى ( ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) في سورة الحجرات : فيه دلالة على أن الأعراب آمنوا فيما بعد .
والقول في علم الله تقدم آنفا في الآية قبل هذه .
وأريد بحالة نفي علم الله بالذين جاهدوا والصابرين الكناية عن حالة نفي الجهاد والصبر عنهم لأن الله إذا علم شيئا فذلك المعلوم محقق الوقوع فكما كنى بعلم الله عن التحقق في قوله ( وليعلم الذين آمنوا ) كنى بنفي العلم عن نفي الوقوع . وشرط الكناية هنا متوفر وهو جواز إرادة المعنى الملزوم مع المعنى اللازم لجواز إرادة انتفاء علم الله بجهادهم مع إرادة انتفاء جهادهم . ولا يرد ما أورده التفتزاني وأجاب عنه بأن الكناية في النفي بنيت على الكناية في الإثبات وهو تكلف إذ شأن التراكيب استقلالها في مفادها ولوازمها .
A E