وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وذكر هذه الصفة في أثناء صفات المدح إما أن يكون مدحا له لما تستلزمه هذه الصفة من البعد عن الشهوات المحرمة بأصل الخلقة ولعل ذلك لمراعاة براءته مما يلصقه أهل البهتان ببعض أهل الزهد من التهم وقد كان اليهود في عصره في أشد البهتان والاختلاق وإما ألا يكون المقصود بذكر هذه الصفة مدحا له لأن من هو أفضل من يحيى من الأنبياء والرسل كانوا مستكملين المقدرة على قربان النساء فتعين أن يكون ذكر هذه الصفة ليحيى إعلاما لزكريا بأن الله وهبه ولدا إجابة لدعوته إذ قال ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ) وأنه قد أتم مراده تعالى من انقطاع عقب زكريا لحكمة علمها وذلك إظهار لكرامة زكريا عند الله تعالى .
ووسطت هذه الصفة بين صفات الكمال تأنيسا لزكريا وتخفيفا من وحشته لانقطاع نسله بعد يحيى .
وقوله ( أنى يكون لي غلام ) : استفهام مراد منه التعجب قصد منه تعرف إمكان الولد لأنه لما سأل الولد فقد تهيأ لحصول ذلك فلا يكون قوله ( أتى يكون لي غلام ) إلا تطلبا لمعرفة كيفية ذلك على وجه يحقق له البشارة وليس من الشك في صدق الوعد وهو كقول إبراهيم ( ليطمئن قلبي ) فأجيب بأن الممكنات داخلة تحت قدرة الله تعالى وإن عز وقوعها في العادة .
و ( أنى ) فيه بمعنى كيف أو بمعنى المكان لتعذر عمل المكانين اللذين هما سبب التناسب وهما الكبر والعقرة . وهذا التعجب يستلزم الشكر على هذه المنة فهو كناية عن الشكر . وفيه تعريض بأن يكون الولد من زوجه العاقر دون أن يؤمر بتزوج امرأة أخرى وهذه كرامة لامرأة زكريا .
وقوله ( وقد بلغني الكبر ) جاء على طريق القلب وأصله وقد بلغت الكبر وفائدته إظهار تمكن الكبر منه كأنه يتطلبه حتى بلغه كقوله تعالى ( أينما تكونوا يدرككم الموت ) .
والعاقر المرأة التي لا تلد عقرت رحمها أي قطعته . ولأنه وصف خاص بالأنثى لم يؤنث كقولهم حائض ونافس ومرضع ولكنه يؤنث في غير صيغة الفاعل فمنه قولهم عقرى دعاء على المرأة وفي الحديث ( عقرى حلقى ) وكذلك نفساء .
وقوله ( كذلك الله يفعل ما يشاء ) أي كهذا الفعل العجيب وهو تقدير الحمل من شيخ هرم لم يسبق له ولد وامرأة عاقر كذلك ولعل هذا التكوين حصل بكون زكريا كان قبل هرمه ذا قوة زائدة لا تستقر بسببها النطفة في الرحم فلما هرم اعتدلت تلك القوة فصارت كالمتعارف أو كان ذلك من أحوال في رحم امرأته ولذلك عبر عن هذا التكوين بجملة ( يفعل ما يشاء ) أي هو تكوين قدرة الله وأوجد أسبابه ومن أجل ذلك لم يقل هنا يخلق ما يشاء كما قاله في جانب تكوين عيسى .
وقوله ( قال رب اجعل لي آية ) أراد آية على وقت حصول ما بشر به وهل هو قريب أو بعيد فالآية هي العلامة الدالة على ابتداء حمل زوجه . وعن السدي والربيع : آية تحقق كون الخطاب الوارد عليه وإرادا من قبل الله تعالى وهو ما في إنجيل لوقا . وعندي في هذا نظر لأن الأنبياء لا يلتبس عليهم الخطاب الوارد عليهم من الله ويعلمونه بعلم ضروري .
وقوله ( آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ) جعل الله حبسة لسانه عن الكلام آية على الوقت الذي تحمل فيه زوجته لأن الله صرف ماله من القوة في أعصاب الكلام المتصلة بالدماغ إلى أعصاب التناسل بحكمة عجيبة يقرب منها ما يذكر من سقوط بعض الإحساس لمن يأكل البلاذر لقوة الفكر . أو أمره بالامتناع من الكلام مع الناس إعانة على انصراف القوة من المنطق إلى التناسل أي متى تمت ثلاثة الأيام كان ذلك أمارة ابتداء الحمل . قال الربيع جعل الله ذلك له عقوبة لتردده في صحة ما أخبره به الملك وبذلك صرح في إنجيل لوقا فيكون الجواب على هذا الوجه من قبيل أسلوب الحكيم لأنه سأل آية فأعطي غيرها .
وقوله ( واذكر ربك كثيرا بالعشي والإبكار ) أمر بالشكر . والذكر المراد به : الذكر بالقلب والصلاة إن كان قد سلب قوة النطق أو الذكر اللساني إن كان قد نهي عنها فقط . والاستثناء في قوله إلا رمزا استثناء منقطع .
A E