وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فاختلاف الذين أوتوا الكتاب يشمل اختلافهم فيما بينهم : أي اختلاف أهل كل ملة في أمور دينهم وهذا هو الذي تشعر بها صيغة اختلف كاختلاف اليهود بعد موسى غير مرة واختلافهم بعد سليمان إلى مملكتين : مملكة إسرائيل ومملكة يهوذا وكيف صار لكل مملكة من المملكتين تدين يخالف تدين الأخرى وكذلك اختلاف النصارى في شأن المسيح وفي رسوم الدين ويكون قوله ( بينهم ) حالا لبغيا : أي بغيا متفشيا بينهم بأن بغى كل فريق على الآخر .
ويشمل أيضا الاختلاف بينهم في أمر الإسلام ؛ إذ قال قائل منهم : هو حق وقال فريق : هو مرسل إلى الأميين وكفر فريق ونافق فريق . وهذا الوجه أوفى مناسبة بقوله تعالى ( إن الدين عند الله الإسلام ) ويكون قوله ( بينهم ) على هذا وصفا لبغيا : أي بغيا واقعا بينهم .
ومجيء العلم هو الوحي الذي جاءت به رسلهم وأنبياؤهم ؛ لأن كلمة جاء مؤذنة بعلم متلقى من الله تعالى يعني أن العلم الذي جاءهم كان من شأنه أن يصدهم عن الاختلاف في المراد إلا أنهم أساءوا فكانوا على خلاف مراد الله من إرسال الهدى .
وانتصب ( بغيا ) على أنه مفعول لأجله وعامل المفعول لأجله : هو الفعل الذي تفرغ للعمل فيما بعد حرف الاستثناء فالاستثناء كان من أزمان وعلل محذوفة والتقدير : ما اختفلوا إلا في زمن بعدما جاءهم العلم وما كان إلا بغيا بينهم . ولك أن تجعل بغيا منصوبا على الحال من ( الذين أوتوا الكتاب ) وهو " إن كان العامل فيه فعلا منفيا في اللفظ " إلا إن الاستثناء المفرغ جعله في قوة المثبت فجاء الحال منه عقب ذلك أي حال كون المختلفين باغين فالمصدر مؤول بالمشتق . ويجوز أن تجعله مفعولا لأجله من ( اختلف ) باعتبار كونه صار مثبتا كما قررنا .
وقد لمحت الآية إلى أن هذا الاختلاف والبغي كفر ؛ لأنه أفضي بهم إلى نقض قواعد أديانهم وإلى نكران دين الإسلام ولذلك ذيله بقوله : ( ومن يكفر بآيات الله ) الخ .
وقوله ( فإن الله سريع الحساب ) تعريض بالتهديد ؛ لأن سريع الحساب إنما يبتدئ بحساب من يكفر بآياته والحساب هنا كناية عن الجزاء كقوله : ( إن حسابهم إلا على ربي ) .
وفي ذكر هذه الأحوال الذميمة من أحوال أهل الكتاب تحذير للمسلمين أن يقعوا في مثل ما وقع فيه أولئك والمسلمون وإن اختلفوا في أشياء كثيرة لم يكن اختلافهم إلا اختلافا علميا فرعيا ولم يختلفوا اختلافا ينقض أصول دينهم بل غاية الكل الوصول إلى الحق من الدين وخدمة مقاصد الشريعة . فبنوا إسرائيل عبدوا العجل والرسول بين ظهرانيهم وعبدوا آلهة الأمم غير مرة والنصارى عبدوا مريم والمسيح ونقضوا أصول التوحيد وادعوا حلول الخالق في المخلوق . فأما المسلمون لما قال أحد أهل التصوف منهم كلاما يوهم الحلول حكم علماؤهم بقتله .
( فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتب والأمين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد [ 20 ] ) تفريع على قوله ( إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب ) الآية فإن الإسلام دين قد أنكروه واختلافهم في أديانهم يفضي بهم إلى محاجة الرسول في تبرير ما هم عليه من الدين وأنهم ليسوا على أقل مما جاء به دين الإسلام .
والمحاجة مفاعلة ولم يجيء فعلها إلا بصيغة المفاعلة . ومعنى المحاجة المخاصمة وأكثر استعمال فعل حاج في معنى المخاصمة بالباطل : كما في قوله تعالى ( وحاجه قومه ) وتقدم عند قوله تعالى ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ) في سورة البقرة .
فالمعنى : فإن خاصموك خصام مكابرة فقل أسلمت وجهي لله .
وضمير الجمع في قوله ( فإن حاجوك ) عائد إلى غير مذكور في الكلام بل معلوم من المقام وهو مقام نزول السورة أعني قضية وفد نجران ؛ فإنهم الذين اهتموا بالمحاجة حينئذ . فأما المشركون فقد تباعد ما بينهم وبين النبي A بعد الهجرة فانقطعت محاجتهم وأما اليهود فقد تظاهروا بمسالمة المسلمين في المدينة .
ولقد لقن الله رسوله أن يجب مجادلتهم بقوله ( أسلمت وجهي لله ) والوجه أطلق على النفس كما في قوله تعالى ( كل شيء هالك إلا وجهه ) أي ذاته .
A E