وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وأما قوله ( يؤخركم إلى أجل مسمى ) فهو وعد بخير دنيوي يستوي الناس في رغبته وهو طول البقاء فإنه من النعم العظيمة لأن في جبلة الإنسان حب البقاء في الحياة على ما في الحياة من عوارض ومكدرات . وهذا ناموس جعله الله تعالى في جبلة الإنسان لتجري أعمال الناس على ما يعين على حفظ النوع . قال المعري : .
وكل يريد العيش والعيش حتفه ... ويستعذب اللذات وهي سمام والتأخير : ضد التعجيل وقد أطلق التأخير على التمديد والتوسيع من أجل الشيء .
وقد أشعر وعده إياهم بالتأخير أنه تأخير مجموعهم أي مجموع قومه لأنه جعل جزاء لكل من عبد الله منهم واتقاه وأطاع الرسول فدل على أنه أنذرهم في خلال ذلك باستئصال القوم كلهم وأنهم كانوا على علم بذلك كما أشار إليه قوله ( أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ) كما تقدم آنفا وكما يفسره قوله تعالى في سورة هود ( ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه ) أي سخروا من الأمر الذي يصنع الفلك للوقاية منه . وهو أمر الطوفان فتعين أن التأخير المراد هنا هو عدم استئصالهم . والمعنى : ويؤخر القوم كلهم إلى أجل مسمى وهو آجال إشخاصهم وهي متفاوتة .
A E والأجل المسمى : هو الأجل المعين بتقدير الله عند خلقه كل أحد منه فالتنوين في ( أجل ) للنوعية أي الجنس وهو صادق على آجال متعددة بعدد أصحابها كما قال تعالى ( ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ) ومعنى ( مسمى ) أنه محدد معين وهو ما في قوله تعالى ( وأجل مسمى عنده ) في سورة الأنعام .
فالأجل المسمى : هو عمر كل واحد المعين له في ساعة خلقه المشار إليه في الحديث " أن الملك يؤمر بكتب أجل المخلوق عندما ينفخ فيه الروح " واستعيرت التسمية للتعيين لشبه عدم الاختلاط بين أصحاب الآجال .
والمعنى : ويؤخركم فلا يعجل بإهلاككم جميعا فيؤخر كل أحد إلى أجله المعين له على تفاوت آجالهم .
فمعنى هذه الآية نظير معنى آية سورة هود ( وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ) وهي على لسان محمد A .
( إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون [ 4 ] ) يحتمل أن تكون هذه الجملة تعليلا لقوله ( ويؤخركم إلى أجل مسمى ) أي تعليلا للربط الذي بين الأمر وجزائه من قوله ( أن اعبدوا الله ) إلى قوله ( ويؤخركم ) الخ لأن الربط بين الأمر وجوابه يعطي بمفهومه معنى : إن لا تعبدوا الله ولا تتقوه ولا تطيعوني لا يغفر لكم ولا يؤخركم إلى أجل مسمى فعلل هذا الربط والتلازم بين هذا الشرط المقدر وبين جزائه بجملة ( إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ) أي أن الوقت الذي عينه الله لحلول العذاب بكم إن لم تعبدوه ولم تطيعون إذا جاء إبانه باستمراركم على الشرك لا ينفعكم الإيمان ساعتئذ كما قال تعالى ( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ) فيكون هذا حثا على التعجيل بعبادة الله وتقواه .
فالأجل الذي في قوله ( إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ) غير الأجل الذي في قوله ( ويؤخركم إلى أجل مسمى ) ويناسب ذلك قوله عقبه ( لو كنتم تعلمون ) المقتضي أنهم لا يعلمون هذه الحقيقة المتعلقة بآجال الأمم المعينة لاستئصالهم وأما عدم تأخير آجال الأعمار عند حلولها فمعلوم للناس مشهور في كلام الأولين . وفي إضافة ( أجل ) إلى اسم الجلالة في قوله ( إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ) إيماء إلى أنه ليس الأجل المعتاد بل هو أجل عينه الله إنذارا لهم ليؤمنوا بالله . ويحتمل أن تكون الجملة استئنافا بيانيا ناشئا عن تحديد غاية تأخيرهم إلى أجل مسمى فيسأل السامع في نفسه عن علة تنهية تأخيرهم بأجل آخر فيكون أجل الله غير الأجل الذي في قوله ( إلى أجل مسمى ) .
وإضافته إلى الله إضافة كشف أي الأجل الذي عينه الله وقدره لكل أحد .
وبهذا تعلم أنه لا تعارض بين قوله ( ويؤخركم إلى أجل مسمى ) وبين قوله ( إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ) إما لاختلاف المراد بلفظي ( الأجل ) في قوله ( إلى أجل مسمى ) وقوله ( إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ) وإما لاختلاف معنيي التأخير في قوله ( إذا جاء لا يؤخر ) فانفكت جهة التعارض