ولأجل ما يصاحب الزعم من توهم قائله صدق ما قاله الحق فعل زعم بأفعال الظن فنصب مفعولين . وليس كثيرا في كلامهم ومنه قول أبي ذؤيب : .
فإن تزعميني كنت أجهل فيكم ... فإني شريت الحلم بعدك بالجهل ومن شواهد النحو قول أبي أمية أوس الحنفي : .
زعمتني شيخا ولست بشيخ ... إنما الشيخ من يدب دبيبا والأكثر أن يقع بعد فعل الزعم " أن " المفتوحة المشددة أو المخففة مثل التي في هذه الآية فيسد المصدر المنسبك مسد المفعولين . والتقدير : زعم الذين كفروا انتفاء بعثهم .
وتقدم الكلام على فعل الزعم في قوله تعالى ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ) الآية في سورة النساء وقوله ( ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ) في سورة الأنعام وما ذكرته هنا أوفى .
والمراد ب ( الذين كفروا ) هنا المشركون من أهل مكة ومن على دينهم .
واجتلاب حرف ( لن ) لتأكيد النفي فكانوا موقنين بانتفاء البعث .
ولذلك جيء إبطال زعمهم مؤكدا بالقسم لينقض نفيهم بأشد منه فأمر النبي A بأن يبلغهم عن الله أن البعث واقع وخاطبهم بذلك تسجيلا عليهم أن لا يقولوا ما بلغناه ذلك .
وجملة ( قل بلى ) معترضة بين جملة ( زعم الذين كفروا ) وجملة ( فآمنوا بالله ورسوله ) .
وحرف ( بلى ) حرف جواب للإبطال خاص بجواب الكلام المنفي لإبطاله .
وجملة ( ثم لتنبؤن بما علمتم ) ارتقاء في الإبطال .
و ( ثم ) للتراخي الرتبي فإن إنباءهم بما عملوا أهم من إثبات البعث إذ هو العلة للبعث .
والإنباء : الإخبار وإنباؤهم بما عملوا كناية عن محاسبتهم عليه وجزائهم عما عملوه فإن الجزاء يستلزم علم المجازي بعمله الذي جوزي عليه فكان حصول الجزاء بمنزلة إخباره بما عمله كقوله تعالى ( إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا ) .
A E وهذا وعيد وتهديد بجزاء سيء لأن المقام دليل على أن عملهم سيء وهو تكذيب الرسول A وإنكار ما دعاهم إليه .
وجملة ( وذلك على الله يسير ) تذييل والواو اعتراضية .
واسم الإشارة : إما عائد إلى البعث المفهوم من ( لتبعثن ) مثل قوله ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) أي العدل أقرب للتقوى وإما عائد إلى معنى المذكور من مجموع ( لتبعثن ثم لتنبئون بما عملتم ) .
وأخبر عنه ب ( يسير ) دون أن يقال : واقع كما قال ( وإن الدين لواقع ) لأن الكلام لرد إحالتهم البعث بعلة أن أجزاء الجسد تفرقت فيتعذر جمعها فذكروا بأن العسير في متعارف الناس لا يعسر على الله وقد قال في الآية الأخرى ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) ( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير [ 8 ] ) من جملة المأمور رسول الله A بأن يقوله .
والفاء فصيحة تفصح عن شرط مقدر والتقدير : فإذا علمتم هذه الحجج وتذكرتم ما حل بنظرائكم من العقاب وما ستنبؤون به من أعمالكم فآمنوا بالله ورسوله والقرآن أي بنصه . والمراد بالنور الذي أنزل الله القرآن وصف بأنه نور على نور على طريقة الاستعارة لأنه أشبه النور في إيضاح المطلوب باستقامة حجته وبلاغه قال تعالى ( وأنزلنا إليكم نورا مبينا ) . وأشبه النور في الإرشاد إلى السلوك القويم وفي هذا الشبه الثاني تشاركه الكتب السماوية قال تعالى ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ) وقرينة الاستعارة قوله ( الذي أنزلناه ) لأنه من مناسبات المشبه لاشتهار القرآن بين الناس كلهم بالألقاب المشتقة من الإنزال والتنزيل عرف ذلك المسلمون والمعاندون . وهو إنزال مجازي أريد به تبليغ مراد الله إلى الرسول A وقد تقدم عند قوله تعالى ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ) في سورة البقرة وفي آيات كثيرة .
وإنما جعل الإيمان بصدق القرآن داخلا في حيز فاء التفريع لأن ما قبل الفاء تضمن أنهم كذبوا بالقرآن من قوله ( ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدينا ) كما قال المشركون من أهل مكة والإيمان بالقرآن يشمل الإيمان بالبعث فكان قوله تعالى ( والنور الذي أنزلناه ) شاملا لما سبق الفاء من قوله ( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ) الخ