ارتقاء في التعريض إلى ضرب منه قريب من الصريح . وهو المسمى في الكناية بالإشارة . كانت مقالة الذين من قبل مماثلة لمقالة المخاطبين فإذا كانت هي سبب ما ذاقوه من الوبال فيوشك أن يذوق مماثلوهم في المقالة مثل ذلك الوبال .
فاسم الإشارة عائد إلى المذكور من الوبال والعذاب الأليم .
فهذا عد لكفر آخر من وجوه كفرهم وهو تكذيبهم الرسول A وتكذيبهم بالقرآن فإن القرآن بينة من البينات لأنه معجزة .
والباء للسببية في موقع العلة . والضمير الشأن لقصد تهويل ما يفسر الضمير وهو جملة ( كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ) إلى آخرها .
والاستفهام في ( أبشر ) استفهام إنكار وإبطال فهم أحالوا أن يكون بشر مثلهم يهدون بشرا أمثالهم وهذا من جهلهم بمراتب النفوس البشرية ومن يصطفيه الله منها ويخلقه مضطلعا بتبليغ رسالته إلى عباده . كما قال ( وقالوا ما لهذا الرسول يأكل ويمشي في الأسواق ) وجهلوا أنه لا يصلح لإرشاد الناس إلا من هو من نوعهم قال تعالى ( قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ) ولما أحالوا أن يكون البشر أهلا لهداية بشر مثله جعلوا ذلك كافيا في إعراضهم من قبول القرآن والتدبر فيه .
والبشر : اسم جنس للإنسان يصدق على الواحد كما في قوله تعالى ( قل إنما أنا بشر مثلكم ) ويقال على الجمع كما هنا . وتقدم في قوله ( وقلن حاش الله ما هذا بشرا ) في سورة يوسف وفي سورة مريم عند قوله ( فتمثل لها بشرا سويا ) .
وتنكير ( بشر ) للنوعية لأن محط الإنكار على كونهم يهدونهم وهو نوع البشرية .
A E وتقديم المسند إليه على الخبر لقصد تقوى الإنكار وما قالوا ذلك حتى اعتقدوه فلذلك أقدموا على الكفر برسلهم إذ قد اعتقدوا استحالة إرسال الله إياهم فجزموا بكذبهم في دعوى الرسالة فلذلك فرع عليه ( فكفروا وتولوا ) .
والتولي أصله : الانصراف عن المكان الذي أنت فيه وهو هنا مستعار للإعراض عن قبول دعوة رسلهم وتقدم عند قوله تعالى ( ثم توليتم من بعد ذلك ) في سورة البقرة .
( واستغنى ) غني فالسين والتاء للمبالغة كقوله ( أما من استغنى ) . والمعنى : غني الله عن إيمانهم قال تعالى ( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ) .
والواو واو الحال أي والحال أن الله غني عنهم من زمن مضى فإن غني الله عن إيمانهم مقرر في الأزل .
ويجوز أن يراد : واستغنى الله عن إعادة دعوتهم لأن فيما أظهر لهم من البينات على أيدي رسلهم ما هو كاف لحصول التصديق بدعوة رسلهم لولا المكابرة فلذلك عجل لهم العذاب .
وعلى الوجهين متعلق ( استغنى ) محذوف دل عليه قوله ( فكفروا ) . وقوله ( ب البينات ) والتقدير : واستغنى الله عن إيمانهم .
وجملة ( والله غني حميد ) تذييل أي غني عن كل شيء فيما طلب منهم حميد لمن امتثل وشكر .
( زعم الذين كفروا لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير [ 7 ] ) هذا ضرب ثالث من ضروب كفر المشركين المخاطبين بقوله ( ألم يأتكم ) الخ وهو كفرهم بإنكارهم البعث والجزاء .
والجملة ابتدائية . وهذا الكلام موجه إلى النبي A بقرينة قوله ( قل بلى ) . وليس هذا من الإظهار في مقام الإضمار ولا من الالتفات بل هو ابتداء غرض مخاطب به غير من كان الخطاب جاريا معهم .
وتتضمن الجملة تصريحا بإثبات البعث وذلك الذي أوتي إليه فيما مضى يفيد بالحق في قوله ( خلق السماوات والأرض بالحق ) وبقوله ( يعلم ما في السماوات والأرض ) كما علمته آنفا .
والزعم : القول الموسوم بمخالفة الواقع خطأ فمنه الكذب الذي لم يتعمد قائله أن يخالف الواقع في ظن سامعه . ويطلق على الخبر المستغرب المشكوك في وقوع ما أخبر به وعن شريح : لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا " أراد بالكنية الكناية " . فبين الزعم والكذب عموم وخصوص وجهي .
وفي الحديث " بئس مطية الرجل إلى الكذب زعموا " أي قول الرجل زعموا كذا . وروي أهل الأدب أن الأعشى لما أنشد قيس بن معد يكرب : الكندي قوله في مدحه : .
ونبئت قيسا ولم أبله ... كما زعموا خير أهل اليمن غضب قيس وقال له " وما هو إلا الزعم "