سواء علينا يا جميل بن معمر ... إذا مت بأساء الحياة ولينها فلا أحسبه صحيح الرواية .
وسواء اسم بمعنى مساو يعامل معاملة الجامد في الغالب فلا يتغير خبره نقول : هما سواء وهم سواء . وشذ قوله : سواءين .
و ( على ) من قوله ( عليهم ) بمعنى تمكن الوصف : سواء فيهم .
وهمزة ( استغفرت لهم ) أصلها همزة استفهام بمعنى : سواء عندهم سؤال السائل عن وقوع الاستغفار لهم وسؤال السائل عن عدم وقوعه . وهو استفهام مجازي مستعمل كناية عن قلة الاعتناء بكلا الحالين بقرينة لفظ سواء ولذلك يسمى النحاة هذه الهمزة التسوية . وتقدم عند قوله تعالى ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ) في سورة البقرة أي سواء عندهم استغفارك لهم وعدمه . ف ( على ) للاستعلاء المجازي الذي هو التمكن والتلبس فتؤول إلى معنى " عند " كما تقول سواء علي أرضيت أم غضب . وقوله تعالى ( قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين ) في سورة الشعراء .
وجملة ( لن يغفر الله لهم ) معترضة بين جملة ( سواء عليهم ) وجملة ( هم الذين يقولون ) وهي وعيد لهم وجزاء على استخفافهم بالاستغفار من رسول الله A .
( لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين [ 6 ] ) جملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا عن حال من أحوالهم .
وجملة ( إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ) تعليل لانتفاء مغفرة الله لهم بأن الله غضب عليهم فحرمهم اللطف والعناية .
( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ) هذا أيضا من مقالاتهم في مجامعهم وجماعتهم يقولونها لإخوانه الذين كانوا ينفقون على فقراء المسلمين تظاهرا بالإسلام كأنهم يقول بعضهم لبعض تظاهر الإسلام بغير الإنفاق مثل قولهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله وذلك عقبت بها . وقد جاء في الأحاديث الصحيحة أن قائل هذه المقالة عبد الله بن أبي سلول كما تقدم في طالعة تفسير هذه السورة فإسناد هذا القول إلى ضمير المنافقين لأنهم تقبلوه منه إذ هو رأس المنافقين أو فشا هذا القول بين المنافقين فأخذوا يبثونه في المسلمين .
وموقع الجملة الاستئناف الابتدائي المعرب عن مكرهم وسوء طواياهم انتقالا من وصف إعراضهم عند التقرب من الرسول A إلى وصف لون آخر مكن كفرهم وهو الكيد للدين في صورة النصيحة .
وافتتحت الجملة بضميرهم الظاهر دون الاكتفاء بالمستتر في ( يقولون ) معاملة لهم بنقيض مقصودهم فإنهم ستروا كيدهم بإظهار قصد النصيحة ففضح الله أمرهم بمزيد التصريح أي قد علمت أنكم تقولون هذا . وفي إظهار الضمير أيضا تعريض بالتوبيخ كقوله تعالى ( أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار ) . وليكون للجملة الاسمية إفادة ثبات الخبر وليكون الإتيان بالموصول مشعرا بأنهم عرفوا بهذه الصلة . وصيغة المضارع في ( يقولون ) يشعر بأن في هذه المقالة تتكرر منهم لقصد إفشائها .
A E و ( من عند رسول الله ) من كانوا في رعايته مثل أهل الصفة ومن كانوا يلحقون بالمدينة من الأعراب كان يمنهم رسول الله A في غزوة بني المطلق . روي البخاري عن زيد بن أرقم قال : " خرجنا مع النبي A في سفر أصاب الناس فيه شدة فقال عبد الله بن أبي : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله " وهذا كلام مكر لأن ظاهره قصد الرفق برسول الله A من كلفة إنفاق الأعراب الذين ألموا به في غزوة بني المصطلق وباطنه إرادة إبعاد الأعراب عن تلقي الهدى النبوي وعن أن يتقوى بهم المسلمون أو تفرق فقراء المهاجرين لتضعف بتفرقهم بعض قوة المسلمين . وروايات حديث زيد مختلط' .
وقوله ( رسول الله ) يظهر أنه صدر من عبد الله بن أبي ومن معه من المنافقين بهذا اللفظ إذا كانوا قالوا ذلك جهرا في ملإ المسلمين إذ هم يتظاهرون ساعتئذ بالإسلام .
و ( حتى ) مستعملة في التعليل بطريقة المجاز المرسل لأن معنى ( حتى ) انتهاء الفعل المذكور قبلها وغاية الفعل ينتهي الفاعل عن الفعل إذا بلغها فهي سبب للانتهاء وعلة له وليس المراد فإذا نفضوا فأنفقوا عليهم .
والانفاض : التفرق والابتعاد .
( ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون [ 7 ] )