وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وهذا تركيب غريب النسج بديعه . والمألوف في أداء مثل هذا المعنى أن يقال : لرهبتهم منكم في صدورهم أشد من رهبتهم من الله فحول عن هذا النسج إلى النسج الذي حبك عليه في الآية ليتأتى الابتداء بضمير المسلمين اهتماما به وليكون متعلق الرهبة ذوات المسلمين لتوقع بطشهم وليأتي التمييز المحول عن الفاعل لما فيه من خصوصية الإجمال مع التفصيل كما تقرر في خصوصية قوله تعالى ( واشتعل الرأس شيبا ) دون : واشتعل شيب رأسي . وليتأتى حذف المضاف في تركيب ( من الله ) إذ التقدير : من رهبة الله لأن حذفه لا يحسن إلا إذا كان موقعه متصلا بلفظ ( رهبة ) إذ لا يحسن أن يقال : لرهبتهم أشد من الله . وانظر ما تقدم عند تفسير قوله تعالى ( إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية ) في سورة النساء .
فاليهود والمنافقون من شأنهم أن يخشوا الله . أما اليهود فلأنهم أهل دين فهم يخافون الله ويحذرون عقاب الدنيا وعقاب الآخرة . وأما المنافقون فهم مشركون وهم يعترفون بأن الله تعالى هو الإله الأعظم وأنه أولى الموجودات بأن يخشى لأنه رب الجميع وهم لا يثبتون البعث والجزاء فخشيتهم الله قاصرة على خشية عذاب الدنيا من خسف وقحط واستئصال ونحو ذلك وليس وراء ذلك خشية . وهذا بشارة للنبي A والمسلمين بأن الله أوقع الرعب منهم في نفوس عدوهم كما قال النبي A " نصرت بالرعب مسيرة شهر " .
ووجه وصف الرهبة بأنها في صدورهم الإشارة إلى أنها رهبة جد خفية أي أنهم يتظاهرون بالاستعداد لحرب المسلمين ويتطاولون بالشجاعة ليرهبهم المسلمون وما هم بتلك المثابة فأطلع الله رسوله A على دخيلتهم فليس قوله ( في صدورهم ) وصفا كاشفا .
وإذ قد حصلت البشارة من الخبر عن الرعب الذي في قلوبهم ثني عنان الكلام إلى مذمة هؤلاء الأعداء من جراء كونهم أخوف للناس منهم لله تعالى بأن ذلك من قلة فقه نفوسهم ولو فقهوا لكانوا أخوف لله منهم للناس فنظروا فيما يخلصهم من عقاب التفريط في النظر في دعوة الرسول A فعلموا صدقه فنجوا من عواقب كفرهم به في الدنيا والآخرة فكانت رهبتهم من المسلمين هذه الرهبة مصيبة عليهم وفائدة للمسلمين .
فالجملة معترضة بين البيان ومبينه .
والإشارة بذلك إلى المذكور من قوله ( لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ) واجتلاب اسم الإشارة ليتميز الأمر المحكوم عليه أتم تمييز لغرابته .
والباء للسببية والمجرور خبر عن اسم الإشارة أي سبب ذلك المذكور وهو انتفاء فقاهتهم .
وإقحام لفظ ( قوم ) لما يؤذن به من أن عدم فقه أنفسهم أمر عرفوا به جميعا وصار من مقومات قوميتهم لا يخلو عنه أحد منهم وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى : ( إن في اختلاف الليل والنهار ) إلى قوله ( لآيات لقوم يعقلون ) في سورة البقرة .
والفقه : فهم المعاني الخفية وقد تقدم عند قوله تعالى ( فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ) في سورة النساء وقوله ( انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ) في سورة الأنعام ذلك أنهم تبعوا دواعي الخوف المشاهد وذهلوا عن الخوف المغيب غن أبصارهم وهو خوف الله فكان ذلك من قلة فهمهم للخفيات .
( لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر ) A E هذه الجملة بدل اشتمال من جملة ( لأنتم أشد رهبة في صدروهم من الله ) لأن شدة الرهبة من المسلمين تشتمل على شدة التحصن لقتالهم إياهم أي لا يقدرون على قتالكم إلا في هاته الاحوال والضمير المرفوع في ( يقاتلونكم ) عائد إلى ( الذين كفروا من أهل الكتاب ) .
وقوله ( جميعا ) يجوز أن يكون بمعنى كلهم كقوله تعالى : ( إلى الله مرجعكم جميعا ) فيكون للشمول أي كلهم لا يقاتلونكم اليهود والمنافقون إلا في قرى محصنة الخ .
ويجوز أن يكون بمعنى مجتمعين أي لا يقاتلونكم جيوشا كشأن جيوش المتحالفين فإن ذلك قتال من لا يقبعون في قراهم فيكون النفي منصبا إلى هذا القيد أي لا يجتمعون على قتالكم اجتماع الجيوش أي لا يهاجمونكم ولكن يقاتلون قتال دفاع في قراهم