وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وفي ذكر الدار " وهي المدينة " مع ذكر الإيمان إيماء إلى فضيلة المدينة بحيث جعل تبؤهم المدينة قرين الثناء عليهم بالإيمان ولعل هذا هو الذي عناه مالك رحمة الله فيما رواه عنه ابن وهب قال : " سمعت مالكا يذكر فضل المدينة على غيرها من لآفاق . فقال : إن المدينة تبوئت بالإيمان والهجرة وإن غيرها من القرى افتتحت بالسيف ثم قرأ ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ) الآية .
وجملة ( يحبون من هاجر إليهم ) حال من الذين تبوءوا وهذا ثناء عليهم بما تقرر في نفوسهم من أخوة الإسلام إذ أحبوا المهاجرين وشأن القبائل أن يتحرجوا من الذين يهاجرون إلى ديارهم لمضايقتهم .
ومن آثار هذه المحبة ما ثبت في الصحيح من خبر سعد بن الربيع مع عبد الرحمان بن عوف إذ عرض سعد عليه أن يقاسمه ماله وأن ينزل له عن إحدى زوجتيه وقد أسكنوا المهاجرين معهم في بيوتهم ومنحوهم من نحيلهم وحسبك الأخوة التي آخى النبي A بين المهاجرين والأنصار .
وقوله ( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ) أريد بالوجدان الإدراك العقلي وكنى بانتفاء وجدان الحاجة من انتفاء وجودها لأنها لو كانت موجودة لأدركوها في نفوسهم وهذا من باب قول الشاعر : .
" ولا ترى الضب بها ينجحر والحاجة في الأصل : اسم مصدر الحوج وهو الاحتياج أي الافتقار إلى شيء وتطلق على الأمر المحتاج إليه من إطلاق المصدر على اسم المفعول وهي هنا مجاز في المأرب والمراد وإطلاق الحاجة إلى المأرب مجاز مشهور ساوى الحقيقة كقوله تعالى ( ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم ) أي لتبلغوا في السفر عليها المأرب الذي تسافرون لأجله وكقوله تعالى ( إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ) أي مأربا مهما وقول النابغة : .
أيام تخبرني نعم وأخبرها ... ما أكتم الناس من حاجي وإسراري وعليه فتكون ( من ) في قوله ( مما أوتوا ) ابتدائية أي مأربا أو رغبة ناشئة من فيء أعطيه المهاجرون . والصدور مراد بها النفوس جمع الصدر وهو الباطن الذي فيه االحواس الباطنة وذلك كإطلاق القلب على ذلك .
وما أوتوا هو فيء بني النضير .
وضمير ( صدورهم ) عائد إلى ( الذين تبوؤا الدار ) وضمير ( أوتوا ) عائد إلى ( من هاجر إليهم ) لأن من هاجر جماعة من المهاجرين فروعي في ضمير معنى ( من ) بدون لفظها . وهذان الضميران وإن كانا ضميري غيبة وكانا مقتربين فالسامع يرد كل ضمير إلى معاده بحسب السياق مثل " ما " في قوله تعالى ( وعمروها أكثر مما عمروها ) في سورة الروم . وقول عباس بن مرداس يذكر انتصار المسلمين مع قومه بني سليم على هوازن : .
عدنا ولولا نحن أحدق جمعهم ... بالمسليمن وأحرزوا ما جمعوا " أي أحرز جيش هوازن ما جمعه جيش المسلمين " .
والمعنى : أنهم لا يخامر نفوسهم تشوف إلى أخذ شيء مما أوتيه المهاجرون من فيء بني النضير .
A E ويجوز وجه آخر بان يحمل لفظ حاجة على استعماله الحقيقي اسم مصدر الاحتياج فإن الحاجة بهذا المعنى يصح وقوعها في الصدور لأنها من الوجدانيات والانفعالات . ومعنى نفي وجدان الاحتياج في صدورهم أنهم لفرط حبهم للمهاجرين صاروا لا يخامر نفوسهم أنهم مفتقرون إلى شيء ما يؤتاه المهاجرون أي فهم أغنياء عما يؤتاه المهاجرون فلا تستشرف نفوسهم إلى شيء مما يؤتاه المهاجرون بله أن يتطلبوه .
وتكون " من " في قوله تعالى ( مما أوتوا ) للتعليل أي حاجة لأجل ما أوتيه المهاجرون أو ابتدائية أي حاجة ناشئة عما أوتيه المهاجرون فيفيد انتفاء وجدان الحاجة في نفوسهم وانتفاء أسباب ذلك الوجدان ومناشئه المعتادة في الناس تبعا للمنافسة والغبطة وقد دل انتفاء أسباب الحاجة على متعلق حاجة المحذوف إذ التقدير : ولا يجدون في نفوسهم حاجة لشيء أوتيه المهاجرون .
والايثار : ترجيح شيء على غيره بمكرمة أو منفعة .
والمعنى : يؤثرون على أنفسهم في ذلك اختيارا منهم وهذا أعلى درجة مما أفاده قوله ( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ) فلذلك عقب به ولم يذكر مفعول ( يؤثرون ) لدلالة قوله ( مما أوتوا ) عليه .
ومن إيثارهم المهاجرين ما روي في الصحيح أن النبي A دعا الأنصار ليقطع لهم قطائع بنخل البحرين فقالوا : لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها