وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

استئناف ابتدائي عاد به إلى ذكر بعض أحوال النجوى وهو من أحوالها المحمودة . والمناسبة هي قوله تعالى ( وتناجوا بالبر والتقوى ) . فهذه الصدقة شرعها الله تعالى وجعل سببها مناجاة الرسول A فذكرت عقب آي النجوى لاستيفاء أنواع النجوى من محمود ومذموم . وقد اختلف المتقدمون في سبب نزول هذه الآية وحكمة مشروعية صدقة المناجاة . فنقلت عن أبن عباس وقتادة وجابر بن زيد وزيد بن أسلم ومقاتل أقوال في سبب نزولها متخالفة ولا أحسبهم يريدون منها إلا حكاية أحوال للنجوى كانت شائعة فلما نزل حكم صدقة النجوى أقل الناس من النجوى . وكانت عبارات الأقدمين تجري على التسامح فيطلقون على أمثاله الأحكام وجزئيات الكليات اسم أسباب النزول كما ذكرناها في المقدمة الخامسة من مقدمات هذا التفسير وأمسك مجاهد فلم يذكره لهذه الآية سببا واقتصر على قوله : نهو عن مناجاة الرسول حتى يتصدقوا .
والذي يظهر لي : أن هذه الصدقة شرعها الله وفرضها على من يجد ما يتصدق به قبل مناجاة الرسول A وأسقطها عن الذين لا يجدون ما يتصدقون به . وجعل سببها ووقتها هو وقت توجههم إلى مناجاة الرسول A وكان المسلمون حريصين على سؤال رسول الله A عن أمور الدين كل يوم فشرع اله لهم هذه الصدقة كل يوم لنفع الفقراء نفعا يوميا وكان الفقراء أيامئذ كثيرين بالمدينة منهم أهل الصفة ومعظم المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم .
والأظهر أن هذه الصدقة شرعت بعد الزكاة فتكون لحكمة إغناء الفقراء يوما فيوما لأن الزكاة تدفع في رؤوس السنين وفي معين الفصول فلعل ما يصل إلى الفقراء منها يستنفدونه قبل حلول وقت الزكاة القابلة .
وعن أبن عباس : أن صدقة المناجاة شرعت قبل شرع الزكاة ونسخت بوجوب الزكاة وظاهر قوله في الآية التي بعدها ( فأقيموا الصلاة وأوتوا الزكاة ) أن الزكاة حينئذ شرع مفرد معلوم ولعل ما نقل عن أبن عباس إن صح عنه أراد أنها نسخت بالاكتفاء بالزكاة .
وقد تعددت أخبار مختلفة الأسانيد تتضمن أن هذه الآية لم يدم العمل بها إلا زمنا قليلا قيل : إنه عشرة أيام . وعن الكلبي قال : كان ساعة من نهار أي أنها لم يدم العمل بها طويلا إن كان الأمر مرادا به الوجوب وإلا فإن ندب لك ذلك لم ينقطع في حياة النبي A لتكون نفس المؤمن أزكى عند ملاقاة النبي مثل استحباب تجديد الوضوء لكل صلاة .
A E وتظافرت كلمات المتقدمين على أن حكم الأمر في قوله ( فقدموا بين نجواكم صدقة ) قد نسخه قوله ( فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم ) الآية . وهذا مؤذن بأن الأمر فيها للوجوب . وفي تفسير القرطبي وأحكام أبن الفرس حكاية أقوال في سبب نزول هذه الآية تحوم حول كون هذه الصدقة شرعت لصرف أصناف من الناس عن مناجاة النبي A إذ كانوا قد ألحفوا في مناجاته دون داع يدعوهم فلا ينثلج لها صدر العالم لضعفها سندا ومعنى ومنافاتها مقصد الشريعة . وأقرب ما روي عن خبر تقرير هذه الصدقة . ما في جامع الترمذي عن على بن عقلمة الأنماري عن علي بن أبي طالب قال : " لما نزلت ( يا أيها الذين آمنوا فقدموا بين نجواكم صدقة ) قال لي النبي A ما ترى دينارا ؟ قلت : لا يطيقونه قال فنصف دينار ؟ قلت : لا يطيقونه . قال : فكم ؟ قلت : شعيرة " قال الترمذي : أي وزن شعيرة من ذهب . " قال : إنك لزهيد فنزلت ( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) الآية . قال " فبي خفف الله عن هذه الأمة " . قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه " اه .
قلت : علي بن علقمة الأنماري قال البخاري : في حديثه نظر ووثقه ابن حبان . وقال ابن الفرس : صححوا عن علي قال : " ما عمل بها أحد غيري " . وساق حديثا .
ومحمل قول علي " فبي خفف الله عن هذه الأمة " أنه أراد التخفيف في مقدار الصدقة من دينار إلى زنة شعيرة من ذهب وهي جزء من اثنين وسبعين جزءا من الدينار .
وفعل ( ناجيتم ) مستعمل في معنى إرادة الفعل كقوله ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) الآية . وقوله تعالى ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من لشيطان الرجيم ) .
والقرينة قوله ( فقدموا بين يدي نجواكم )