وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

( خلق الإنسان من صلصال كالفخار [ 14 ] وخلق الجآن من مارج من نار [ 15 ] ) هذا انتقال إلى الاعتبار بخلق الله الإنسان وخلقه الجن .
والقول في مجيء المسند كالقول في قوله ( علم القرآن ) .
والمراد بالإنسان آدم وهو أصل الجنس وقوله ( من صلصال ) تقدم نضيره في سورة الحجر .
والصلصال : الطين اليابس .
A E والفخار : الطين المطبوخ بالنار ويسمى الخزف . وظاهر كلام المفسرين أن قوله ( كالفخار ) صفة ل ( صلصال ) . وصرح بذلك الكواشي في تلخيص التبصرة ولم يعرجوا على فائدة هذا الوصف . والذي يظهر لي أن يكون كالفخار حالا من ( الإنسان ) , أي خلقه من صلصال فصار الإنسان كالفخار في صورة خاصة وصلابة .
ومعنى أنه صلصال يابس يشبه يبس الطين المطبوخ والمشبه غير المشبه به, وقد عبر عنه بالحمأ المسنون, والطين اللازب, والتراب .
والجان : الجن والمراد به إبليس وما خرج عنه من الشياطين, وقد حكى الله عنه قوله ( خلقتني من نار وخلقته من طين ) .
والمارج : هو المختلط وهو اسم فاعل بمعنى اسم المفعول مثل دافق, وعيشة راضية, أي خلق الجان من خليط من نار, أي مختلط بعناصر أخرى إلا أن النار أغلب عليه كما كان التراب أغلب على تكوين الإنسان مع ما فيه من عنصر النار وهو الحرارة الغريزية والمقصود هنا هو خلق الإنسان بقرينة تذييله بقوله ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) وإنما قرن بخلق الجان إظهارا لكمال النعمة في خلق الإنسان من مادة لينة قابلة للتهذيب والكمال وصدور الرفق بالموجودات التي معه على وجه الأرض .
وهو أيضا تذكير وموعظة بمظهر من مظاهر قدرة الله وحكمته في خلق نوع الإنسان وجنس الجان .
وفيه إيماء إلى ما سبق في القرآن النازل قبل هذه السورة من تفضيل الإنسان على الجان إذ أمر الله الجان بالسجود للإنسان, وما ينطوي من ذلك من وفرة مصالح الإنسان على مصالح الجان, ومن تأهله لعمران العالم لكونه مخلوقا من طينته إذ الفضيلة تحصل من مجموع أوصاف لا من خصوصيات مفردة .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 16 ] ) هذا توبيخ على عدم الاعتراف بنعم الله تعالى, جيء فيه بمثل ما جيء به في نظيره الذي سبقه ليكون التوبيخ بكلام مثل سابقه, وذلك تكرير من أسلوب التوبيخ ونحوه أن يكون بمثل الكلام السابق, فحق هذا أن يسمى بالتعداد لا بالتكرار, لأنه ليس تكرارا لمجرد التأكيد, فالفاء في قوله ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) هنا تفريع على قوله ( رب المشرقين ورب المغربين ) لأن ربوبيته تقتضي الاعتراف له بنعمة الإيجاد والإمداد وتحصل من تماثل الجمل المكررة فائدة التأكيد والتقرير أيضا فيكون للتكرير غرضان كما قدمناه في الكلام على أول السورة .
وفائدة التكرير توكيد التقرير بما لله تعالى من نعم على المخاطبين وتعريض توبيخهم على الإشراك بالله أصناما لا نعمة لها على حد, وكلها دلائل على تفرد الإلهية . وعن ابن قتيبة " أن الله عدد في هذه السورة نعماء, وذكر خلقه آلاءه ثم أتبع كل خلة وصفها, ونعمة وضعها بهذه, وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها " اه . وقال الحسين بن الفضل : التكرير طرد للغفلة وتأكيد للحجة .
وقال الشريف المرتضى في مجالسه وآماله المسمى الدرر والغرر : وهذا كثير في كلام العرب وأشعارهم, قال مهلهل بن ربيعة يرثي أخاه كليبا : .
على أن ليس عدلا من كليب ... إذا طرد اليتيم عن الجزور وذكر المصراع الأول ثمان مرات في أوائل أبيات متتابعة . وقال الحارث بن عياد : .
قربا مربط النعامة مني ... لحقت حرب وائل عن حبال ثم كرر قوله : قربا مربط النعامة مني, في أبيات كثيرة من القصيد .
وهكذا القول في نظائر قوله ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) المذكور هنا إلى ما في آخر السورة .
( رب المشرقين ورب المغربين [ 17 ] ) استئناف ابتدائي فيه بيان لجملة ( الشمس والقمر بحسبان ) وعطف ( ورب المغربين ) لأجل ما ذكرته آنفا من مراعاة المزاوجة .
وحذف المسند إليه على الطريقة التي سماها السكاكي بإتباع الاستعمال الوارد على تركه أو ترك نظائره وتقدم غير مرة