وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فالباء في ( بقدر ) للملابسة والمجرور ظرف مستقر فهو في حكم المفعول الثاني لفعل ( خلقناه ) لأنه مقصود بذاته إذ ليس المقصود الإعلام بأن كل شيء مخلوق لله فإن ذلك لا يحتاج إلى الإعلام به بله تأكيده بل المقصود إظهار معنى العلم والحكمة في الجزاء كما في قوله تعالى في سورة الرعد ( وكل شيء عنده بمقدار ) .
ومما يستلزمه معنى القدر أن كل شيء مخلوق هو جار على وفق علم الله وإرادته لأنه خالق أصول الأشياء وجاعل القوى فيها لتنبعث عنها آثارها ومتولداتها فهو عالم بذلك ومريد لوقوعه . وهذا قد سمي بالقدر في اصطلاح الشريعة كما جاء في حديث جبريل الصحيح في ذكر ما يقع به الإيمان " وتؤمن بالقدر خيره وشره " .
A E وأخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة " جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله A في القدر فنزلت ( يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر ) . ولم يذكر راوي الحديث معنى القدر الذي خاصم فيه كفار قريش فبقي مجملا ويظهر أنهم خاصموا جدلا ليدفعوا عن أنفسهم التعنيف بعبادة الأصنام كما قالوا ( ولو شاء الرحمن ما عبدناهم ) أي جدلا للنبي A بموجب ما يقوله من أن كل كائن بقدر الله جهلا منهم بمعاني القدر .
قال عياض في الإكمال " ظاهره أن المراد بالقدر " هنا مراد الله ومشيئته وما سيق به قدره من ذلك وهو دليل مساق القصة التي نزلت بسببها الآية " اه . وقال الباجي في المنتقى : يحتمل من جهة اللغة معاني : أحدها : أن يكون القدر ههنا بمعنى مقدر لا يزاد عليه ولا ينقص كما قال تعالى ( قد جعل الله لكل شيء قدرا ) .
والثاني : أن المراد أنه بقدرته كما قال ( بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) .
والثالث : بقدر أي نخلقه في وقته أي نقدر له وقتا نخلقه فيه اه .
قلت : وإذا كان لفظ ( قدر ) جنسا ووقع معلقا بفعل متعلق بضمير ( كل شيء ) الدال على العموم كان ذلك اللفظ عاما للمعاني كلها فكل ما خلقه الله فخلقه بقدر وسبب النزول لا يخصص العموم ولا يناكد موقع هذا التذييل على أن السلف كانوا يطلقون سبب النزول على كل ما نزلت الآية للدلالة عليه ولو كانت الآية سابقة على ما عدوه من السبب .
واعلم أن الآية صريحة في أن كل ما خلقه الله كان بضبط جاريا على حكمته وأما تعيين ما خلقه الله مما ليس مخلوقا له من أفعال العبادة مثلا عند القائلين بخلق العباد أفعالهم كالمعتزلة والقائلين بكسب العبد كالأشعرية فلا حجة بالآية عليهم لاحتمال أن يكون مصب الإخبار هو مضمون ( خلقناه ) أو مضمون ( بقدر ) ولاحتمال عموم ( كل شيء ) للتخصيص ولاحتمال المراد بالشيء ما هو وليس نفي حجية هذه الآية على إثبات القدر الذي هو محل النزاع بين الناس بمبطل ثبوت القدر من أدلة أخرى .
وحقيقة القدر الاصطلاحي خفية فإن مقدار تأثر الكائنات بتصرفات الله تعالى وبتسبب أسبابها ونهوض موانعها لم يبلغ علم الإنسان إلى كشف غوامضة ومعرفة ما مكن الله الإنسان من تنفيذ لما قدره الله والأدلة الشرعية والعقلية تقتضي أن العمال الصالحة والأعمال السيئة سواء في التأثر لإرادة الله تعالى وتعلق قدرته إذا تعلقت بشيء فليست نسبة آثار الخير إلى الله دون نسبة أثر الشر إليه إلا أدبا مع الخالق لقنه الله عبيده ولولا أنها منسوبة في التأثر لإرادة الله تعالى لكانت التفرقة بين أفعال الخير وأفعال الشر في النسبة إلى الله ملحقة باعتقاد المجوس بأن للخير إلها وللشر إلها وذلك باطل لقول النبي A " وتؤمنوا بالقدر خيره وشره " وقوله " القدرية مجوس هذه الأمة " رواه أبو داود بسنده إلى ابن عمر مرفوعا .
وانتصب ( كل شيء ) على المفعولية ل ( خلقناه ) على طريقة الاشتغال وتقديمه على ( خلقناه ) ليتأكد مدلوله بذكر اسمه الظاهر ابتداء وذكر ضميره ثانيا وذلك هو الذي يقتضي العدول إلى الاشتغال في فصيح الكلام العربي فيحصل توكيد للمفعول بعد أن حصل تحقيق نسبة الفعل إلى فاعله بتحقيق حرف ( إن ) المفيد لتوكيد الخبر وليتصل قوله ( بقدر ) بالعامل فيه وهو ( خلقناه ) لئلا يلتبس بالنعت لشيء لو قيل : إنا خلقنا كل شيء بقدر فيظن أن المراد : أنا خلقنا كل شيء مقدر فيبقى السامع منتظرا لخبر ( إن ) .
( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر [ 50 ] )