والمهل بضم الميم دردي الزيت . والتشبيه به في سواد لونه وقيل في ذوبانه .
والحميم : الماء الشديد الحرارة الذي انتهى غليانه وتقدم عند قوله تعالى ( لهم شراب من حميم ) في سورة الأنعام . ووجه الشبه هو هيئة غليانه .
وقرأ الجمهور ( تغلي ) بالتاء الفوقية على أن الضمير ل ( شجرة الزقوم ) .
وإسناد الغليان إلى الشجرة مجاز وإنما الذي يغلي ثمرها . وقرأه ابن كثير وحفص بالتحتية على رجوع الضمير إلى الطعام لا إلى المهل .
والغليان : شدة تأثر الشيء بحرارة النار يقال : غلي الماء وغلت القدر قال النابغة .
" يسير بها النعمان تغلي قدوره وجملة ( خذوه ) إلخ مقول لقول محذوف دل عليه السياق أي يقال لملائكة العذاب : خذوه والضمير المفرد عائد إلى الأثيم باعتبار آحاد جنسه .
والعتل : القود بعنف وهو أن يؤخذ بتلبيب أحد فيقاد إلى سجن أو عذاب وماضيه جاء بضم العين وكسرها .
وقرأه بالضم نافع وابن كثير وابن عامر . وقرأه الباقون بكسر التاء .
وسواء الشيء : وسطه وهو أشد المكان حرارة .
وقوله ( إلى سواء الجحيم ) يتنازعه في التعلق كل من فعلي ( خذوه فاعتلوه ) لتضمنهما : سوقوه سوقا عنيفا .
و ( ثم ) للتراخي الرتبي أن صب الحميم على رأسه أشد عليه من أخذه وعتله .
والصب : إفراغ الشيء المظروف من الظرف وفعل الصب لا يتعدى إلى العذاب لأن العذاب أمر معنوي لا يصب . فالصب مستعار للتقوية والإسراع فهو تمثيلية اقتضاها ترويع الأثيم حين سمعها فلما كان المحكي هنا القول الذي يسمعه الأثيم صيغ بطريقة التمثيلية تهويلا بخلاف قوله ( يصب من فوق رءوسهم الحميم ) الذي هو إخبار عنهم في زمن هم غير سامعيه فلم يؤت بمثل هذه الاستعارة إذ لا مقتضى لها .
وجملة ( ذق إنك أنت العزيز الكريم ) مقول قول آخر محذوف تقديره : قولوا له أو يقال له .
والذوق مستعار للإحساس وصيغة الأمر مستعملة في الإهانة .
وقوله ( إنك أنت العزيز الكريم ) خبر مستعمل في التهكم بعلاقة الضدية .
والمقصود عكس مدلوله أي أنت الذليل المهان والتأكيد للمعنى التهكمي .
وقرأه الجمهور بكسر همزة ( إنك ) . وقرأه الكسائي بفتحها على تقدير لام التعليل وضمير المخاطب المنفصل في قوله ( أنت ) تأكيد للضمير المتصل في ( إنك ) ولا يؤكد ضمير النصب المتصل إلا بضمير رفع منفصل .
وجملة ( إن هذا ما كنتم به تمترون ) بقية القول المحذوف أي ويقال للآثيمين جميعا : إن هذا ما كنتم به تمترون في الدنيا . والخبر مستعمل في التنديم والتوبيخ واسم الإشارة مشار به إلى الحالة الحاضرة لديهم أي هذا العذاب والجزاء هو ما كنتم تكذبون به في الدنيا .
والامتراء : الشك وأطلق الامتراء على جزمهم بنفي يقينهم بانتفاء البعث لأن يقينهم لما كان خليا عن دلائل العلم كان بمنزلة الشك أي أن البعث هو بحيث لا ينبغي أن يوقن بنفيه على نحو ما قرر في قوله تعالى ( ذلك الكتاب لا ريب فيه ) .
( إن المتقين في مقام أمين [ 51 ] في جنات وعيون [ 52 ] يلبسون من سندس وإستبرق متقبلين [ 53 ] ) استئناف ابتدائي انتقل به الكلام من وصف عذاب الأثيم إلى وصف نعيم المتقين لمناسبة التضاد على عادة القرآن في تعقيب الوعيد بالوعد والعكس .
والمقام بضم الميم : مكان الإقامة . والمقام بفتح الميم : مكان القيام ويتناول المسكن وما يتبعه .
وقرأه نافع وابن عامر وأبو جعفر بضم الميم . وقرأه الباقون بفتح الميم .
والمراد بالمقام المكان فهو مجاز بعلاقة الخصوص والعموم .
والأمين بمعنى الآمن والمراد : الآمن ساكنه فوصفه ب ( أمين ) مجاز عقلي كما قال تعالى ( وهذا البلد الأمين ) . والأمن أكبر شروط حسن المكان لأن الساكن أول ما يتطلب الأمن وهو السلامة من المكاره والمخاوف فإذا كان آمنا في منزلة كان مطمئن البال شاعرا بالنعيم الذي يناله . وأبدل منه بأنهم ( في جنات وعيون ) وذلك من وسائل النزهة والطيب . وأعيد حرف ( في ) مع البدل للتأكيد .
والجنات : جمع جنة وتقدم في أول البقرة . والعيون : جمع عين وتقدم في قوله ( فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ) في سورة البقرة فهذا نعيم مكانهم . ووصف نعيم أجسادهم بذكر لباسهم وهو لباس الترف والنعيم وفيه كناية عن توفر أسباب نعيم الأجساد لأنه لا يلبس هذا اللباس إلا من استكمل ما قبله من ملائمات الجسد باطنه وظاهره .
A E