وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

ويحصل من هذا التحقير للمال إبطال ثالث لما أسسوا عليه قولهم ( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) فهذه الجملة عطف على جملة ( ورحمة ربك خير مما يجمعون ) .
والناس يحتمل أن يراد به جميع الناس فيكون التعريف للاستغراق أي جميع البشر والأمة : الجماعة من البشر المتميزة عن غيرها باتحاد في نسب أو دين أو حالة معرف بها فمعنى أن يكون الناس أمة واحدة يحتمل أن لولا أن يصير البشر على دين واحد وهو الغالب عليهم يومئذ أي الكفر ونبذ الفكرة في الآخرة وعلى هذا تفسير ابن عباس والحسن وقتادة والسدي .
فالمعنى عليه : لولا أن يصير الناس كلهم كفارا لخصصنا الكافرين بالمال والرفاهية وتركنا المسلمين لما ادخرنا لهم من خيرات الآخرة فيحسب ضعفاء العقول أن للكفر أثرا في حصول المال جعله الله جزاء لمن سماهم بالكافرين فيتبعوا دين الكفر لتخيلهم الملازمة بين سعادة العيش وبين الكفر وقد كان الناس في الأجيال الأولى أصحاب أوهام وأغلاط يجعلون للمقارنة حكم التسبب فيؤول المعنى إلى : لولا تجنب ما يفضي إلى عموم الكفر وانقراض الإيمان لجعلنا المال لأهل الكفر خاصة أي والله لا يحب انقراض الإيمان من الناس ولم يقدر اتحاد الناس على ملة واحدة بقوله ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) أي أن الله لطف بالعباد فعطل ما يفضي بهم إلى اضمحلال الهدى من بينهم أي أبقى بينهم بصيصا من نور الهدى .
ويحتمل وهو الأولى عندي : أن يكون التعريف في ( الناس ) للعهد مرادا به بعض طوائف البشر وهم أهل مكة وجمهورهم على طريقة الاستغراق العرفي وعلى وزان قوله تعالى ( إن الناس قد جمعوا لكم ) ويكون المراد بكونهم أمة واحدة اتحادهم في الثراء .
A E والمعنى : لولا أن تصير أمة من الأمم أهل ثروة كلهم " أي وذلك مخالف لما قدره الله من اشتمال كل بلد وكل قبيلة وكل أمة على أغنياء ومحاويج لإقامة نظام العمران واحتياج بعضهم لبعض هذا لماله وهذا لصناعته وآخر لمقدرة بدنه " لجعلنا من يكفر بالرحمن وهم أهل مكة سواء في الثراء والرفاهية . وعلى كلا الاحتمالين يتلخص من المعنى أن الثراء والرفاهية لا يقيم المدبر الحكيم لهما وزنا فلا يمسكهما عن الناكبين عن طريق الحق والكمال فصار الكلام يقتضي مقدرا محذوفا تقديره لكن لا يكون الناس سواء في الغنى لأنا لم نجعل ذلك لأنا قدرنا في نظام الكون البشري أن لا تكون أمة من الأمم أو قبيلة أو أهل بلدة أغنياء ليس فيهم محاويج لأنه يفضي إلى انحرام نظام الاجتماع وارتفاع احتياج بعضهم لبعض فيهلك مجتمعهم والله أراد بقاءهم إلى أجل هم بالغوه .
ويرجح هذا جعل متعلق فعل ( يكفر ) خصوص وصف الرحمان فإن مشركي مكة أنكروا وصف الرحمان ( وقالوا وما الرحمان ) وقد تكرر التورك عليهم بذلك في آي كثيرة .
ومعنى ( لجعلنا لمن يكفر ) لقدرنا في نظام المجتمع البشري أسباب الثراء متصلة بالكفر بالله بحيث يكون الكفر سببا ومجلبة للغنى ولو أراد الله ذلك لهيأ له أسبابه في عقول الناس وأساليب معاملاتهم المالية فدل هذا على أن الله منع أسباب تعميم الكفر في الأرض لطفا منه بالإيمان وأهله وإن كان لم يمنع وقوع كفر جزئي قليل أو كثير حفظا منه تعالى لناموس ترتيب المسببات على أسبابها .
وهذا من تفاريع التفرقة بين الرضى والإرادة فلا يرضى لعباده الكفر ولو شاء ربك ما فعلوه .
واللام في قوله ( لبيوتهم ) مثل اللام في قوله ( لمن يكفر بالرحمن ) أي لجعلنا لبيوت من يكفر بالرحمن فيكون قوله ( لبيوتهم ) بدل اشتمال ممن يكفر بالرحمن . وإنما صرح بتكرير العامل للتوكيد كما فعلوا في البدل من المستفهم عنه في نحو : من ذا أسعيد أم علي ؟ فقرنوا البدل بأداة استفهام ولم يقولوا : من ذا سعيد أم علي ؟ وتقدم عند قوله تعالى ( ومن النخل من طلعها قنوان دانية ) في سورة الأنعام .
ونكتة هذا الإبدال تعليق المجرور ابتداء بفعل الجعل ثم الاهتمام بذكر من يكفر بالرحمن في هذا المقام المقصود منه قرنه مع مظاهر الغنى في قرن التحقير ثم يذكر ما يعز وجود أمثاله من الفضة والذهب وإذ قد كان الخبر كله مستغربا كان حقيقا بأن ينظم في أسلوب الإجمال ثم التفصيل